﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالاثْمَ وَالْبَغْىَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ﴾ قال الكلبي لما لبس المسلمون الثياب وطافوا بالبيت عيّرهم المشركون بذلك وقالوا استحلوا الحرم فنزلت، وتقدّم تفسير ﴿الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ في أواخر الأنعام وزيد هنا أقوال، أحدها :﴿مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ طواف الرّجل بالنهار عرياناً ﴿وَمَا بَطَنَ﴾ طوافها بالليل عارية قاله التبريزي، وقال مجاهد :﴿مَا ظَهَرَ﴾ طواف الجاهلية عراة ﴿وَمَا بَطَنَ﴾ الزنا، وقيل :﴿مَا ظَهَرَ﴾ الظلم ﴿وَمَا بَطَنَ﴾ السّرقة، وقال ابن عباس ومجاهد في رواية :﴿مَا ظَهَرَ﴾ ما كانت تفعله الجاهلية من نكاح الأباء نساء الآباء والجمع بين الأختين وأن ينكح المرأة على عمتها وخالتها ﴿وَمَا بَطَنَ﴾ الزّنا ﴿وَالاثْمَ﴾ عام يشمل الأقوال والأفعال التي يترتب عليها الإثم، هذا قول الجمهور، وقيل هو صغار الذنوب، وقيل : الخمر، وهذا قول لا يصح هنا لأن السّورة مكية ولم تحرم الخمر إلا بالمدينة بعد أحد وجماعة من الصحابة اصطبحوها يوم أحد وماتوا شهداء وهي في أجوافهم وأما تسمية الخمر إثماً فقيل هو من قول الشاعر :
شربت الإثم حتى زلّ عقلي
وهو بيت مصنوع مختلَق وإن صحّ فهو على حذف مضاف أي موجب الإثم ولا يذلّ قول ابن عباس والحسن ﴿الاثْمِ﴾ الخمر على أنه من أسمائها إذ يكون ذلك من إطلاق المسبب على السبب وأنكر أبو العباس أن يكون ﴿الاثْمِ﴾ من أسماء الخمر وقال الفضل :﴿الاثْمِ﴾ الخمر، وأنشد :
نهانا رسول الله أن نقرب الخناوأن نشرب الإثم الذي يوجب الوزرا
وأنشد الأصمعي أيضاً :
ورحت حزيناً ذاهل العقل بعدهمكأني شربت الإثم أو مسّني خبل
قال : وقد تسمّى الخمر إثماً وأنشد :
شربت الإثم حتى زلّ عقلي
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٨٥
وقال ابن عباس والفراء :﴿الْبَغْىُ﴾ الاستطالة، وقال الحسن : السّكر من كل شراب، وقال ثعلب : تكلم الرّجل في الرجل بغير الحقّ إلا أن ينتصر منه بحق، وقيل : الظّلم والكبر، قاله الزمخشري، وقال وأفردوه بالذكر كما قال تعالى :﴿وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْىِ﴾. وقال ابن عطية :﴿الْبَغْىُ﴾ التعدّي وتجاوز الحدّ مبتدئاً كان أو منتصراً وقوله ﴿بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ زيادة بيان وليس يتصور بغي بحق لأن ما كان بحقّ لا يسمى بغياً وتقدّم تفسير ﴿مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِا سُلْطَـانًا ﴾ في الأنعام، وقال الزمخشري فيه تهكّم لأنه لا يجوز أن ينزل برهاناً بأن يشرك به غيره ما لا تعلمون من تحريم البحائر وغيرها، وقال ابن عباس أراد بذلك أنّ الملائكة بنات الله، وقيل قولهم أنه حرّم عليهم مآكل وملابس ومشارب في الإحرام من قبل أنفسهم. ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌا فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةًا وَلا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ هذا وعيد لأهل مكّة بالعذاب النازل في أجل معلوم عند الله كما نزل بالأمم أي أجل مؤثت لمجيء العذاب إذا خالفوا أمر ربهم فأنتم أيتها الأمّة كذلك،
٢٩٢