﴿قَالَ ادْخُلُوا فِى أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالانسِ فِى النَّارِ﴾. أي يقول الله لهم أي لكفار العرب وهم المفترون الكذب والمكذبون بالآيات وذلك يوم القيامة وعبر بالماضي لتحقّق وقوعه وقوله ذلك على لسان الملائكة ويتعلق ﴿فِى أُمَمٍ﴾ في الظاهر بادخلوا والمعنى في جملة أمم ويحتمل أن يتعلق بمحذوف فيكون في موضع الحال و﴿قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ﴾ أي تقدّمتكم في الحياة الدنيا أو تقدّمتكم أي تقدّم ذخولها في النار وقدّم الجنّ لأنهم الأصل في الإغواء والإضلال ودلّ ذلك على أنّ عصاة الجنّ يدخلون النار، وفي النار متعلق بخلت على أنّ المعنى تقدّم دخولها أو بمحذوف وهو صفة لأمم أي في أمم سابقة في الزمان كائنة من الجنّ والإنس كائنة في النار أو بادخلوا على تقدير أن تكون في بمعنى مع وقد قاله بعض المفسرين فاختلف مدلول في إذ الأولى تفيد الصحبة والثانية تفيد الظّرفية وإذا اختلف مدلول الحرف جاز أن يتعلق اللفظان بفعل واحد ويكون إذ ذاك ﴿أَدْخِلُوا ﴾ قد تعدّى إلى الظرف المختص بفي وهو الأصل وإن كان قد تعدّى في موضع آخر بنفسه لا بوساطة في كقوله ﴿وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ﴾ ﴿ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ﴾ ويجوز أن تكون في باقية على مدلولها من الظرفية و﴿فِى النَّارِ﴾ كذلك ويتعلّقان بلفظ ﴿أَدْخِلُوا ﴾ وذلك على أن يكون ﴿فِى النَّارِ﴾ بدل اشتمال كقوله قتل أصحاب الأخدود النار ويجوز أن يتعدّى الفعل إلى حرفي جرّ بمعنى واحد على طريقة البدل. ﴿كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا ﴾ ﴿كُلَّمَآ﴾ للتّكرار ولا يستوي ذلك في الأمة الأولى فاللاحقة تلعن السابقة أو يلعن بعض الأمة الدّاخلة بعضها ومعنى ﴿أُخْتَهَا ﴾ أي في الدين والمعنى كلما دخلت أمة من اليهود والنصارى وعبدة الأوثان وغيرهم من الكفار، وقال الزمخشري :﴿أُخْتَهَا ﴾ التي ضلّت بالاقتداء بها انتهى، والمعنى أنّ أهل النار يلعن بعضهم بعضاً ويعادي بعضهم بعضاً ويكفر بعضهم ببعض، كما جاء في آيات أخر.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٨٥
﴿حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لاولَـاهُمْ رَبَّنَا هَـؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَـاَاتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ﴾ ﴿حَتَّى ﴾ غاية لما قبلها والمعنى أنهم يدخلون فوجاً ففوجاً لاعناً بعضهم بعضاً إلى انتهاء تداركهم وتلاحقهم في النار واجتماعهم فيها وأصل ﴿ادَّارَكُوا ﴾ تداركوا أدغمت التاء في الدّال فاجتلبت همزة الوصل، قال ابن عطية، وقرأ أبو عمرو بقطع ألف الوصل، قال أبو الفتح : هذا مشكل ولا يسوغ أن يقطعها ارتجالاً فذلك إنما يجيء شاذّاً في ضرورة الشّعر في الاسم أيضاً لكنّه وقف مثل وقفة المستنكر ثم ابتدأ فقطع، وقرأ مجاهد بقطع الألف وسكون الدّال وفتح الراء بمعنى أدرك بعضهم بعضاً، وقرأ حميد أدركوا بضمّ الهمزة وكسر الرّاء أي ادخلوا في إدْراكها، وقال مكي في قراءة مجاهد : إنها ادّركوا بشدّ الدال المفتوحة وفتح الرّاء قال وأصلها ادتركوا وزنها افتعلوا، وقرأ ابن مسعود والأعمش تداركوا ورويت عن أبي عمر انتهى، وقال أبو البقاء، وقرىء إذا ﴿إِذَا ادَّارَكُوا ﴾ بألف واحدة ساكنة والدّال بعدها مشدّدة وهو جمع بين ساكنين وجاز في المنفصل كما جاز في المتصل، وقد قال : بعضهم اثنا عشر بإثبات الألف وسكون العين انتهى ويعني بقوله كما جاز في المتصل نحو الضالين وجان و﴿أُخْرَاهُمْ﴾ الأمّة الأخيرة في الزمان التي وجدت ضلالات مقررة مستعملة ﴿لاولَـاهُمْ﴾ التي شرعت ذلك وافترت وسلكت سبيل الضّلال ابتداء أو ﴿أُخْرَاهُمْ﴾ منزلة ورتبة وهم الأتباع والسفلة ﴿لاولَـاهُمْ﴾ منزلة ورتبة وهم القادة المتبوعون، أو ﴿أُخْرَاهُمْ﴾ في الدّخول إلى النار وهم ﴿أُخْرَاهُمْ لاولَـاهُمْ﴾ دخولاً وهم القادة أقوال آخرها لمقاتل، وقال ابن عباس : آخر أمة لأول أمة وأخرى هنا بمعنى آخرة مؤنّث آخر فمقابل أوّل لا مؤنث له آخر بمعنى غير لقوله ﴿وِزْرَ أُخْرَى ﴾ واللام في ﴿لاولَـاهُمْ﴾ لام السبب أي لأجل أولاهم لأنّ خطابهم مع الله لا معهم ﴿أَضَلُّونَا﴾ شرعوا لنا الضلال أو جعلونا نضلّ وحملونا عليه ضعفاً زائداً على عذابنا إذ هم كافرون ومسببو كفرنا.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٨٥


الصفحة التالية
Icon