﴿وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَآ أُوالَئاِكَ أَصْحَـابُ الْجَنَّةِا هُمْ فِيهَا خَـالِدُونَ﴾ لما أخبر بوعيد الكفار أخبر بوعد المؤمنين وخبر و﴿الَّذِينَ﴾ الجملة من ﴿لا نُكَلِّفُ نَفْسًا﴾ منهم أو الجملة من ﴿أُوالَئاِكَ﴾ وما بعده وتكون جملة ﴿لا نُكَلِّفُ﴾ اعتراضاً بين المبتدأ والخبر، وفائدته أنه لما ذكر قوله و﴿وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ﴾ نبه على أن ذلك العمل وسعهم وغير خارج عن قدرتهم وفيه تنبيه للكفار على أنّ الجنة مع عظم مجالها يوصل إليها بالعمل السهل من غير مشقة، وقال القاضي أبو بكر بن الطيّب : لم يكلف أحداً في نفقات الزوجات إلا ما وجد وتمكن منه دون ما لا تناله يده ولم يرد إثبات الاستطاعة قبل الفعل، ونظيره ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَآ ءَاتَـاهَا ﴾ انتهى، وليس السياق يقتضي ما ذكر، وقال الزمخشري : جملة معترضة بين المبتدأ والخبر للترغيب في اكتساب ما لا يكتنهه وصف الواصف من النعيم الخالد مع العظيم بما هو من الواسع وهو الإمكان الواسع غير الضّيق من الإيمان والعمل الصالح انتهى، وفيه دسيسة الاعتزال، وقرأ الأعمش لا تكلف نفس. ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ الانْهَـارُ﴾ أي أذهبنا في الجنة ما انطوت عليه صدورهم من الحقود. وقيل نزع الغل في الجنة أن لا يحسد بعضهم بعضاً في تفاضل منازلهم، وقال الحسن : غلّ الجاهلية، وقال سهل بن عبد الله الأهواء والبدع، وروي عن عليّ كرم الله وجهه فينا والله أهل بدر نزلت وعنه إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير من الذين قيل فيهم ونزعنا الآية، والذي يظهر أنّ النزع للغلّ كناية عن خلقهم في الآخرة سالمي القلوب طاهريها متوادّين متعاطفين، كما قال إخواناً على سرر متقابلين وتجري حال قاله الحوفي قال : والعمل فيه نزعنا، وقال أبو البقاء : حال والعامل فيها معنى الإضافة وكلا القولين لا يصح لأن تجري ليس من صفات الفاعل الذي هو ضمير نزعنا ولا صفات المفعول الذي
٢٩٨
هو ما في صدورهم ولأن معنى الإضافة لا يعمل إلا إذا كانت إضافة يمكن للمضاف أن يعمل إذا جرّد من الإضافة رفعاً أو نصباً فيما بعده والظاهر أنه خبر مستأنف عن صفة حالهم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٨٥
﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى هَدَانَا لِهَـاذَا﴾ أي وفّقنا لتحصيل هذا النعيم الذي صرنا إليه بالإيمان والعمل الصالح إذ هو نعمة عظيمة يجب عليهم بها حمده والثناء عليه تعالى، وقيل : الهداية هنا هو الإرشاد إلى طريق الجنة ومنازلهم فيها وفي الحديث "أنّ أحدهم أهدى إلى منزله في الجنة من منزله في الدنيا"، وقيل : الإشارة بهذا إلى العمل الصالح الذي هذا جزاؤه، وقيل إلى الإيمان الذي تأهّلوا به لهذا النعيم المقيم، وقال الزمخشري : أي وفقنا لموجب هذا الفوز العظيم وهو الإيمان والعمل الصالح انتهى، وفي لفظه واجب والعمل الصالح دسيسة الاعتزال، وقال أبو عبد الله الرازي معنى ﴿هَدَانَا﴾ الله أعطانا القدرة وضمّ إليها الدّاعية الجازمة، وصير مجموعهما لحصول تلك الفضيلة وقالت المعتزلة التّحميد إنما وقع على أنه تعالى خلق العقل ووضع الدلائل وأزال الموانع انتهى، وفي صحيح مسلم "إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى منادٍ أنّ لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً"، وأنّ لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً وأنّ لكم أن تشبّوا فلا تهرموا أبداً وأنّ لكم أن تنعموا فلا تيأسوا أبداً فلذلك قالوا :﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى هَدَانَا لِهَـاذَا﴾. ﴿وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ﴾ أي وما كانت توجد منا أنفسنا وجدها الهداية لولا أن الله هدانا وهذه الجملة توضح أن الله خالق الهداية فيهم وأنهم لو خلوا وأنفسهم لم تكن منهم هداية، وقال الزمخشري : وما كان يستقيم أن نكون مهتدين لولا هداية الله تعالى وتوفيقه، وقال أبو البقاء : والواو للحال ويجوز أن تكون مستأنفة انتهى، والثاني : أظهر. وقرأ ابن عامر ﴿مَا كُنَّا﴾ بغير واو وكذا هي في مصاحف أهل الشام وهي على هذا جملة موضحة للأولى ومن أجاز فيها الحال مع الواو ينبغي أن يجيزها دونها، والذي تقتضيه أصول العربية أنّ جواب ﴿لَوْلا﴾ محذوف لدلالة ما قبله عليه أي ﴿لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ﴾ ما كنا لنهتدي أو لضللنا لأنّ ﴿لَوْلا﴾ للتعليق فهي في ذلك كأدوات الشرط على أنّ بعض الناس خرج قوله لولا أن رأى برهان ربّه على أنه جواب تقدم وهو قوله ﴿وَهَمَّ بِهَا﴾ وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى، وهذا على مذهب جمهور البصريين في منع تقديم جواب الشرط.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٨٥