﴿وَنَادَى أَصْحَـابُ الْجَنَّةِ أَصْحَـابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَم فَأَذَّنَ مُؤَذِّنُا بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّـالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالاخِرَةِ كَـافِرُونَ﴾ أي فأعلم معلم، قيل : هو إسرافيل صاحب الصور، وقيل : جبريل يسمع الفريقين تفريحاً وتبريحاً، وقيل : ملك غيره معين ودخل طاووس على هشام بن عبد الملك فقال له : إحذر يوم الأذان فقال : وما يوم الأذان قال : يوم ﴿فَأَذَّنَ مُؤَذِّنُ﴾ الآية فصعق هشام فقال : طاووس هذا ذلّ الصفة فكيف ذلّ المعاينة وبينهم يحتمل أن يكون معمولاً لأذّن ويحتمل أن يكون صفة لمؤذن فالعامل فيه محذوف، وقرأ الأخوان وابن عامر والبزي ﴿أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ﴾ بتثقيل ﴿ءَانٍ﴾ ونصب ﴿لَّعْنَةُ﴾ وعصمة عن الأعمش إنّ بكسر الهمزة والتثقيل ونصب ﴿لَّعْنَةُ﴾ على إضمار القول أو إجراء أذن مجرى قال، وقرأ باق السبعة أن يفتح الهمزة خفيفة النون ورفع ﴿لَّعْنَةُ﴾ على الابتداء وأن مخففة من الثقيلة أو مفسرة و﴿يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾ تقدّم تفسير مثله وهذا الوصف بالموصول هو حكاية عن قولهم السابق والمعنى الذين كانوا يصدون عن سبيل الله لأنهم وقت الأذان لم يكونوا متصفين بهذا الوصف، والمعنى بالظلم الكفار ويدفع قول من قال : إنه عام في الكافر والفاسق قوله أخيراً ﴿وَهُم بِالاخِرَةِ كَـافِرُونَ﴾ لأنّ الفاسق ليس كافراً بالآخرة بل مؤمن مصدّق بها. ﴿وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ﴾ أي بين الفريقين لأنهم المحدّث عنهم وهو الظاهر، وقيل : بين الجنة والنار وبهذا بدأ الزمخشري وابن عطية وفسر الحجاب بأنه المعنى بقوله فضرب بينهم بسور وقاله ابن عباس : ويقوي أنه بين الفريقين لفظ بينهم إذ هو ضمير العقلاء ولا يحيل ضرب السّور بعدما بين الجنة والنار وإن كانت تلك في السماء والنار أسفل السافلين. ﴿وَعَلَى الاعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلَّا بِسِيمَـاهُمْ﴾
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٨٥
أي وعلى أعراف الحجاب وهو السّور المضروب ﴿رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلَّا ﴾ من فريقي الجنة والنار بعلامتهم التي ميّزهم الله بها من ابيضاض وجوه واسوداد وجوه أو بغير ذلك من العلامات أو بعلامتهم التي يلهمهم الله معرفتها و﴿الاعْرَافِ﴾ تل بين الجنة والنار، قاله ابن عباس، وقال مجاهد : حجاب بين الجنة والنار، وقيل : هو أحد ممثل بين الجنة والنارروي هذا في حديث وفي آخر "أنّ أحداً على ركن من أركان الجنة"، وقيل : أعالي السّور الذي ضرب بين الجنة والنار قاله الزمخشري، والرجال قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم وقفوا هنالك ما شاء الله، لم تبلغ حسناتهم بهم دخول الجنة ولا سيئاتهم دخول النار، وروي في مسند ابن أبي خيثمة عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم حديث فيه قيل يا رسول الله فمن استوت حسناته وسيئاته قال :"أولئك أصحاب الأعراف لم يدخلوها وهم يطمعون"، وقاله ابن مسعود وابن عباس وحذيفة وأبو هريرة، قال حذيفة بن اليمان أيضاً هم
٣٠١
قوم أبطأت بهم صغائرهم إلى آخر الناس، وقيل غزاة جاهدوا من غير إذن والديهم فقتلوا في المعركة وهذا مرويّ عن الرسول أنهم حبسوا عن الجنة بمعصية آبائهم وأعتقهم الله من النار لأنهم قتلوا في سبيله، وقيل : قوم رضي عنهم آباؤهم دون أمهاتهم أو بالعكس، وقيل : هم أولاد الزنا، وقيل : أولاد المشركين، وقيل : الذين كانوا في الأسر ولم يبدّلوا دينهم، وقيل : علماء شكوا في أرزاقهم، وقال الزمخشري : رجال من المسلمين من آخرهم دخولاً في الجنة لقصور أعمالهم كأنهم المرجئون لأمر الله يحبسون بين الجنة والنار إلى أن يأذن الله لهم في دخول الجنة، وقال ابن عطية : واللازم من الآية أنّ على أعراف ذلك السور أو على مواضع مرتفعة عن الفريقين حيث شاء الله رجالاً من أهل الجنة يتأخر دخولهم ويقع لهم ما وصف من الاعتبار في الفريقين ﴿فَاقِرَةٌ * كَلا﴾ بعلامتهم وهي بياض الوجوه وحسنها في أهل الجنة وسوادها وقبحها في أهل النار انتهى، والأقوال السابقة تحتاج إلى دليل واضح في التخصيص والجيّد منها هو الأوّل لحديث جابر ولتفسير جماعة من الصحابة وهذه الأقوال هي على قول من قال إنّ ﴿الاعْرَافِ﴾ هو بين الجنة والنار، وفي شعر أمية بن الصّلت :
وآخرون على الأعراف قد طمعوافي جنّة حفّها الرمّان والخضر