بعد اليأس فقالوا : يا ربّ لنا قرابات من أهل الجنة فأذن لنا حتى نراهم ونكلمهم فينظرون إليهم وإلى ما هم فيه من النعيم فعرفوهم ونظر أهل الجنة إلى قراباتهم من أهل جهنم فلم يعرفوهم قد اسودت وجوههم وصاروا خلقاً آخر فنادى أصحاب النار أصحاب الجنة بأسمائهم وأخبروهم بقراباتهم فينادي الرجل أخوه فيقول يا أخي قد احترقت فأغثني فيقول : إنّ الله حرّمهما على الكافرين ويحتمل أن تكون مصدرية ومفسّرة، وكلام ابن عباس يدل على أنّ هذه النداء كان عن رجاء وطمع حصول ذلك، وقال القاضي هو مع اليأس لأنهم قد علموا دوام عقابهم وأنهم لا يفتر عنهم ولكن اليائس من الشيء قد يطلبه كما يقال في المثل الغريق يتعلق بالزّبد وإن علم أنه لا يغنيه انتهى، و﴿أَفِيضُوا ﴾ أمكن من اسقونا لأنها تقتضي التوسعة كما يقال أفاض الله عليه نعمه أي وسعها وسؤالهم الماء لشدّة التهابهم واحتراقهم ولأنّ من عادته إطفاء النار أو مما رزقكم الله لأنّ البنية البشرية لا تستغني عن الطعام إذ هو مقوّيها أو لرجائهم الرّحمة بأكل طعام و﴿أَوْ﴾ على بابها من كونهم سألوا أحد الشيئين وأتى ﴿أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾ عاماً والعطف بأو يدل على أنّ الأول لا يندرج في العموم، وقيل : أو بمعنى الواو لقولهم إنّ الله حرمهما، وقيل المعنى حرم كلاًّ منهما فأو على بابها وما رزقكم الله عام فيدخل فيه الطعام والفاكهة والأشربة غير الماء وتخصيصه بالثمرة أو بالطعام أو غير الماء من الأشربة أقوال ثانيها للسدّي وثالثها للزمخشري قال :﴿أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾ من غيره من الأشربة لدخوله في حكم الإفاضة فقال : ويجوز أن يراد وألقوا علينا مما رزقكم الله من الطعام والفاكهة كقوله :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٨٥
علفتها تبناً وماء باردا
وإنما يطلبون ذلك مع يأسهم من الإجابة إليه حيرة في أمرهم كما يفعله المضطر الممتحن انتهى وقوله وإنما يطلبون إلى آخره هو كلام القاضي وقد قدّمناه ويجوز أن يراد وألقوا علينا مما رزقكم الله من الطعام والفاكهة يحتمل وجهين، أحدهما : أن يكون ﴿أَفِيضُوا ﴾ ضمن معنى ألقوا ﴿عَلَيْنَا مِنَ الْمَآءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾ فيصحّ العطف ويحتمل وهو الظاهر من كلامه أن يكون أضمر فعلاً بعد ﴿أَوْ﴾ يصل إلى ﴿مِمَّا رَزَقَكُمُ﴾ وهو ألقوا وهما مذهبان للنحاة فيما عطف على شيء بحرف عطف والفعل لا يصل إليه والصحيح منهما التضمين لا الإضمار على ما قرّرناه في علم العربية ومعنى التحريم هنا المنع كما قال : حرام على عينيّ أن تطعما الكرى
وإخبارهم بذلك هو عن أمر الله. ﴿الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَواةُ الدُّنْيَا ﴾ تقدّم تفسير مثل هذا في الأنعام.
﴿فَالْيَوْمَ نَنسَـاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هذا وَمَا كَانُوا بِـاَايَـاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾ هذا إخبار من الله عما يفعل بهم، قال ابن عباس وجماعة يتركهم في العذاب كما تركوا النظر للقاء هذا اليوم، وقال قتادة :﴿نَسُوا ﴾ من الخير ولم ينسوا من الشر، وقال الزمخشري : يفعل بهم فعل الناسين الذين ينسون عبيدهم من الخير لا يذكرونهم به ﴿كَمَا نَسُوا لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هَـاذَا﴾ كما فعلوا بلقائه فعل الناسين فلم يخطروه ببالهم ولم يهتمّوا به، وقال الحسن والسدّي أيضاً والأكثرون تتركهم في عذابهم كما تركوا العمل للقاء يومهم انتهى، وإن قدر النسيان بمعنى الذهول من الكفرة فهو في جهة الله بتسمية العقوبة باسم الذنب ﴿وَمَا كَانُوا ﴾ معطوف على ما نسوا وما فيهما مصدرية ويظهر أنّ الكاف في ﴿كَمَآ﴾ للتعليل.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٨٥
﴿وَلَقَدْ جِئْنَـاهُم بِكِتَـابٍ فَصَّلْنَـاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ الضمير في ﴿وَلَقَدْ جِئْنَـاهُم﴾ عائد على من تقدم ذكره ويكون الكتاب
٣٠٥


الصفحة التالية
Icon