﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَـاهُ وَالَّذِينَ مَعَه فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِـاَايَـاتِنَآا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ﴾. أخبر تعالى أنهم كذبوه هذا مع حسن ملاطفته لهم ومراجعته لهم وشفقته عليهم فلم يكن نتيجة هذا إلاّ التكذيب له فيما جاء به عن الله ﴿وَالَّذِينَ مَعَه فِي الْفُلْكِ﴾ هم من آمن به وصدّقه وكانوا أربعين رجلاً، وقيل ثمانين رجلاً وأربعين امرأة قاله الكلبي وإليهم تنسب القرية التي ينسب إليها الثمانون وهي بالموصل، وقيل : عشرة فيهم أولاده
٣٢٢
الثلاثة، وقيل : تسعة منهم بنوه الثلاثة وفي قوله ﴿وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا ﴾ إعلام بعلّة الغرق وهو التكذيب و﴿بِـاَايَـاتِنَآ﴾ يقتضي أنّ نوحاً كانت له آيات ومعجزات تدل على إرساله ويتعلق ﴿فِى الْفُلْكِ﴾ بما يتعلّق به الظّرف الواقع صلة أي والذين استقروا معه في الفلك ويحتمل أن يتعلق بأنجيناه أي أنجيناهم في السّفينة من الطّوفان وعلى هذا يحتمل أن تكون في أي بالفلك كقوله "دخلت النار في هرة" أي بسبب هرة و﴿قَوْمًا عَمِينَ﴾ من عمي القلب أي غير مستبصرين ويدل على ثبوت هذا الوصف كونه جاء على وزن فعل ولو قصد الحذف لجاء على فاعل كما جاء ضائق في ضيق وثاقل في ثقيل إذا قصد به حدوث الضّيق والثقل، قال ابن عباس عميت قلوبهم عن معرفة التوحيد والنبوة والمعاد، وقال معاذ النحوي : رجل عم في أمره لا يبصره وأعمى في البصر. قال :
ما في غد عم ولكنني عن علم
وقد يكون العمى والأعمى كالخضر والأخضر، وقال الليث : رجل عم إذا كان أعمى القلب. ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَـاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـاهٍ غَيْرُهُا أَفَلا تَتَّقُونَ﴾ عاد اسم الحي ولذلك صرفه وبعضهم جعله اسماً للقبيلة فمنعه الصرف قال الشاعر :
لو شهدت عاد في زمان عادلانتزها مبارك الجلاد
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣١٤
سميت القبيلة باسم أبيهم وهو عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام وهود قال شيخنا أبو الحسن الآبدي النحوي : المعروف أنّ هوداً عربي والذي يظهر من كلام سيبويه لما عده مع نوح ولوط وهما عجميان أنه عجمي عنده انتهى، وذكر الشريف النسّابة أبو البركات الجواني أنّ يَعرُب بن قحطان بن هود هو الذي زعمت يمن أنه أول من تكلم بالعربية ونزل أرض اليمن فهو أبو اليمن كلها وأنّ العرب إنما سميت عرباً به انتهى فعلى هذا لا يكون هود عربيّاً وهود هو ابن عابر بن شالح بن ارفخشد بن سام بن نوح و﴿أَخَاهُمْ﴾ معطوف على نوحاً ومعناه واحداً منهم وليس هود من بني عاد كما ذكرنا وهذا كما تقول أيا أخا العرب للواحد منهم، وقيل : هو من عاد وهو هود بن عبد الله بن رياح بن الجلود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح فعلى هذا يكون من عاد واسم أمه مرجانة وكان رجلاً تاجراً أشبه خلق الله بآدم عليهما السلام، روي أنّ عاداً كانت له ثلاث عشرة قبيلة ينزلون رمال عالج وهي عاد الأولى وكانوا أصحاب بساتين وزروع وعمارة وبلادهم أخصب بلاد فسخط الله عليهم فجعلها مفاوز وكانت بنواحي عمان إلى حضرموت إلى اليمن وكانوا يعبدون الأصنام ولما هلكوا لحق هود ومن آمن معه بمكة فلم يزالوا بها حتى ماتوا ولم يأتِ فقال بالفاء لأنه جواب سؤال مقدّر أي فما قال لهم ﴿عَلَيْهِ قَوْمٌ﴾ وكذا ﴿قَالَ الْمَلا﴾ وفي قوله ﴿أَفَلا تَتَّقُونَ﴾ استعطاف وتحضيض على تحصيل التقوى ولما كان ما حلّ بقوم نوح من أمر الطوفان واقعة لم يظهر في العالم مثلها قال ﴿إِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ وواقعة هود كانت مسبوقة بواقعة نوح وعهد الناس قريب بها اكتفى هود بقوله ﴿أَفَلا تَتَّقُونَ﴾ والمعنى تعرفون أنّ قوم نوح لما لم يتقوا الله وعبدوا اغيره حلّ بهم ذلك العذاب الذي اشتهر خبره في الدنيا فقوله ﴿أَفَلا تَتَّقُونَ﴾ إشارة إلى التخويف بتلك الواقعة المشهورة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣١٤
﴿قَالَ الْمَلا الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِا إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَـاذِبِينَ﴾ أتى بوصف ﴿الْمَلا﴾ بالذين كفروا ولم يأتِ بهذا الوصف في قوم نوح لأنّ قوم هود كان في أشرافهم من آمن به منهم مرثد
٣٢٣