والأشكال فيحتمل إذ ذاك أن يكون الخلق بمعنى المخلوقين ويحتمل أن يكون مصدراً أي وزادكم في خلقكم بسطة أي مد وطول حسن خلقكم قيل : كان أقصرهم ستين ذراعاً وأطولهم مائة ذراع قاله الكلبي والسدّي، وقال أبو حمزة اليماني : سبعون ذراعاً. وقال ابن عباس ثمانون ذراعاً. وقال مقاتل : اثنا عشر ذراعاً. وقال وهب : كان رأس أحدهم مثل القبة العظيمة وعينه تفرخ فيها الضباع وكذلك منخره وإذا كان الخلق بمعنى المخلوقين فالخلق قوم نوح أو أهل زمانهم أو الناس كلهم أقوال، وقيل : الزيادة في الإجرام وهي ما تصل إليه يد الإنسان إذا رفعها، وقيل الزيادة هي في القوة والجلادة لا في الإجرام. وقيل : زيادة البسطة كونهم من قبيلة واحدة مشاركين في القوة متناصرين يحبّ بعضهم بعضاً ويحتمل أن يكون المعنى ﴿فِى الْخَلْقِ بَاصْطَةً﴾ أي اقتداراً في المخلوقين واستيلاء.
﴿فَاذْكُرُوا ءَالاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ ذكرهم أولاً بإنعامه عليهم حيث جعلهم خلفاء وزادهم بسطة وذكرهم ثانياً بنعمه عليهم مطلقاً لا بتقييد زمان الجعل واذكروا الظاهر أنه من الذكر وهو أن لا يتناسوا نعمه بل تكون نعمه على ذكر منكم رجاء أن تفلحوا وتعليق رجاء الفلاح على مجرّد الذّكر لا يظهر فيحتاج إلى تقدير محذوف بترتب عليه رجاء الفلاح وتقديره والله أعلم ﴿فَاذْكُرُوا ءَالاءَ اللَّهِ﴾ وإفراده بالعبادة ألا ترى إلى قوله ﴿أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ﴾ وفي ذكرهم ﴿اللَّهِ لَعَلَّكُمْ﴾ ذكر المنعم عليهم المستحقّ لإفراده بالعبادة ونبذه ما سواه، وقيل : اذكروا هنا بمعنى اشكروا.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣١٤
﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَه وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَآؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ الصَّـادِقِينَ﴾ الظاهر أنهم أنكروا أن يتركوا أصنامهم ويفردوا الله بالعبادة مع اعترافهم بالله حبّاً لما نشؤوا عليه وتآلفاً لما وجدوا آباءهم عليه ويحتمل أن يكونوا منكرين لله ويكون قولهم ﴿لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ﴾ أي على قولك يا هود ودعواك قاله ابن عطية، وقال التأويل الأوّل أظهر فيهم وفي عباد الأوثان ولا يجحد ربوبية الله من الكفرة إلا من ادّعاها لنفسه كفرعون ونمرود انتهى، وكان في قول هود لقومه ﴿فَاذْكُرُوا ءَالاءَ اللَّهِ﴾ دليل قاطع على أنه لا يعبد إلا المنعم وأصنامهم جمادات لا قدرة على شيء البتة والعبادة هي نهاية التعظيم فلا يليق إلا بمن يصدر عنه نهاية الإنعام ولما نبّه على هذه الحجة ولم يكن لهم أن يجيبوا عنها عدلوا إلى التقليد البحت فقالوا ﴿أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ﴾ والمجيء هنا يحتمل أن يكون حقيقة بكونه متغيباً عن قومه منفرداً بعبادة ربه ثم أرسله الله إليهم فجاءهم من مكان متغيبه ويحتمل أن يكون قولهم ذلك على سبيل الاستهزاء لأنهم كانوا يعتقدون أنّ الله لا يرسل إلا الملائكة فكأنهم قالوا : أجئتنا من السماء كما يجيء الملك ولا يريدون حقيقة المجيء ولكن التعرّض والقصد كما يقال ذهب يشتمني لا يريدون حقيقة الذهاب كأنهم قالوا أقصدتنا لنعبد الله وحده وتعرضت لنا بتكاليف ذلك وفي قولهم ﴿ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ﴾ دليل على أنه كان يعدهم بعذاب الله إن داموا على الكفر وقولهم ذلك يدلّ على تصميمهم على تكذيبه واحتقارهم لأمر النبوّة واستعجال العقوبة إذ هي عندهم لا تقع أصلاً وقد تقدّم قوله ﴿إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ﴾ و﴿لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَـاذِبِينَ﴾ فلما كانوا يعتقدون كونه كاذباً قالوا ﴿فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ الصَّـادِقِينَ﴾ أي في نبوّتك وإرسالك أو في العذاب نازل بنا.
﴿قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ﴾ أي حلّ بكم وتحتّم عليكم قال زيد بن أسلم والأكثرون : الرّجس هنا العذاب من الارتجاس وهو الاضطراب. وقال ابن عباس : السخط. وقال أبو عبد الله الرازي : لا يكون العذاب لأنه لم يكن حاصلاً في ذلك الوقت، وقال القفال : يجوز أن يكون الازدياد في الكفر بالرين على القلوب أي لتماديهم على الكفر ﴿وَقَعَ عَلَيْكُم﴾ من الله رين على قلوبكم كقوله ﴿فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ﴾ فإنّ الرجس السخط أو الرين فقوله ﴿قَدْ وَقَعَ﴾ على حقيقته من المضي وإن كان العذاب فيكون من جعل الماضي موضع المستقبل لتحقّق وقوعه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣١٤
﴿أَتُجَـادِلُونَنِي فِى أَسْمَآءٍ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَءَابَآؤُكُم﴾ هذا إنكار منه لمخاصمتهم له فيما لا ينبغي فيه الخصام وهو ذكر ألفاظ ليس تحتها مدلول يستحقّ العبادة فصارت المنازعة باطلة بذلك ومعنى ﴿سَمَّيْتُمُوهَآ﴾ سميتم بها أنتم وآباؤكم أي أحدثتموها قريباً أنتم وآباؤكم وهي صمود وصداء والهباء وقد ذكرها مرثد بن سعد في شعره فقال :
عصت عاد رسولهم فأضحواعطاشاً ما تبلّهم السماء


الصفحة التالية
Icon