لهم صنم يقال له صموديقابله صداء والهباء
فبصرنا الرسول سبيل رشدفأبصرنا الهدى وجلى العماء
وإنّ إله هود هو إلهيعلى الله التوكّل والرجاء
فالجدال إذ ذاك يكون في الألفاظ لا مدلولاتها ويحتمل أن يكون الجدال وقع في المسمّيات وهي الأصنام فيكون أطلق الأسماء وأراد بها المسميات وكان ذلك على حذف مضاف أي في ذوات أسماء ويكون المعنى ﴿سَمَّيْتُمُوهَآ﴾ آلهة وعبدتموها من دون الله، قيل : سموا كل صنم باسم على ما اشتهوا وزعموا أنّ بعضهم يسقيهم المطر وبعضهم يشفيهم من المرض وبعضهم يصحبهم في السّفر وبعضهم يأتيهم بالرزق.
﴿مَّا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَـانٍ﴾ والجملة من قوله ﴿مَّا نَزَّلَ﴾ في موضع الصفة والمعنى أنه ليس لكم بذلك حجة ولا برهان وجاء هنا ﴿نَزَّلَ﴾ وفي المكان غيره أنزل وكلاهما فصيح والتعدية بالتضعيف والهمزة سواء.
﴿فَانتَظِرُوا إِنِّى مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ﴾ وهذا غاية في التهديد والوعيد أي ﴿فَانتَظِرُوا ﴾ عاقبة أمركم في عبادة غير الله وفي تكذيب رسوله وهذا غاية في الوثوق بما يحل بهم وإنه كائن لا محالة.
﴿فَأَنجَيْنَـاهُ وَالَّذِينَ مَعَه بِرَحْمَةٍ مِّنَّا﴾ يعني من آمن معه ﴿بِرَحْمَةٍ﴾ سابقة لهم من الله وفضل عليهم حيث جعلهم آمنوا فكان ذلك سبباً لنجاتهم مما أصاب قومهم من العذاب.
﴿وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِـاَايَـاتِنَا ﴾ كناية عن استئصالهم بالهلاك بالعذاب وتقدّم الكلام في ﴿دَابِرَ﴾ في قوله ﴿فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾ وفي قوله ﴿الَّذِينَ كَذَبُوا ﴾ تنبيه على علة قطع دابرهم وفي قوله ﴿بِـاَايَـاتِنَآ﴾ دليل على أنه كانت لهود معجزات ولكن لم تذكر لنا بتعيينها.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣١٤
﴿وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ﴾ جملة مؤكدة لقوله ﴿كَذَّبُوا بِـاَايَـاتِنَآ﴾ ويحتمل أن يكون إخباراً من الله تعالى أنهم ممن علم الله تعالى أنهم لو بقوا لم يؤمنوا أي ما كانوا ممن يقبل إيماناً البتة ولو علم الله تعالى أنهم يؤمنون لأبقاهم وذلك أنّ المكذّب بالآيات قد يؤمن بها بعد ذلك ويحسن حاله فأما من حتم الله عليه بالكفر فلا يؤمن أبداً وفي ذلك تعريض بمن آمن منهم كمرثد بن سعد ومن نجا مع هود عليه السلام كأنه قال ﴿وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا ﴾ منهم ولم يكونوا مثل من آمن منهم ليؤذن أنّ الهلاك خصّ المكذبين ونجّى الله المؤمنين قاله الزمخشري : وذكر المفسرون هنا قصة هلاك عاد وذكروا فيها أشياء لا تعلق لها بلفظ القرآن ولا صحّت عن
٣٢٦
الرسول فضربت عن ذكرها صفحاً وأما ما له تعلق بلفظ القرآن فيأتي في مواضعه إن شاء الله تعالى.
﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَـالِحًا قَالَ يَـاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـاهٍ غَيْرُهُا﴾ ثمود اسم القبيلة سميت باسم أبيهم الأكبر وهو ثمود أخو جديس وهما ابنا جاثر بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام وكانت مساكنهم الحجر بين الحجاز والشام وإلى وادي القرى. وقيل سميت ثمود لقلة ما بها من الثمد وهو الماء القليل. قال الشاعر :
أحكم كحكم فتاة الحي إذ نظرتإلى حمام شراع وارد الثمد
وكانت ثمود عرباً في سعة من العيش فخالفوا أمر الله وعبدوا غيره وأفسدوا فبعث الله لهم صالحاً نبياً من أوسطهم نسباً وأفضلهم حسباً فدعاهم إلى الله حتى شمط ولا يتبعه منهم إلا القليل، قاله وهب : بعثه الله حين راهق الحلم فلما هلك قومه ارتحل بمن معه إلى مكة فأقاموا معه حتى ماتوا فقبورهم بين دار الندوة والحجر، وصالح هو صالح بن آسف بن كاشح بن أروم بن ثمود بن جاثر بن إرم بن سام بن نوح هكذا نسبه الشريف النسّابة الجواني وهو المنتهى إليه في علم النسب. ووقع في بعض التفاسير بين صالح وآسف زيادة أب وهو عبيد فقالوا صالح بن عبيد بن آسف ونقص في الأجداد وتصحيف جاثر بقولهم عابر، قال الشريف الجواني في المقدمة الفاضلية والعقب من جاثر بن إرم بن سام بن نوح وجديس والعقب من ثمود بن جاثر فالخ وهيلع وتنوق وأروم من ولده صالح النبي صلى الله عليه وسلّم بن آسف بن كاشح بن أروم بن ثمود.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣١٤


الصفحة التالية
Icon