وقرأ ابن وثاب والأعمش :﴿وَإِلَى ثَمُودَ﴾ بكسر الدال والتنوين مصروفاً في جميع القرآن جعله اسم الحي والجمهور منعوه الصرف جعلوه اسم القبيلة والأخوة هنا في القرابة، لأنّ نسبه ونسبهم راجع إلى ثمود بن جاثر وكل واحد من هؤلاء الأنبياء نوح وهود وصالح تواردوا على الأمر بعبادة الله والتنبيه على أنه لا إله غيره إذ كان قومهم عابدي أصنام ومتخذي آلهة مع الله كما كانت قريش والعرب ففي هذه القصص توبيخهوم وتهديدهم أن يصيبهم مثل ما أصاب أولئك من الهلاك المستأصل من العذاب وكانت قصة نوح مشهورة طبقت الآفاق وقصة هود وصالح مشهورة عند العرب وغيرهم بحيث ذكرها قدماء الشعراء في الجاهلية وشبهوا مفسدي قومهم بمفسدي قوم هود وصالح قال بعض قدمائهم في الجاهلية :
فينا معاشر لن يبغوا لقومهموإن بنى قومهم ما أفسدوا عادوا
أضحوا كقيل بن عنز في عشيرتهإذا أهلكت بالذي سدّى لها عاد
أو بعده كقدار حين تابعهعلى الغواية أقوام فقد بادوا
وقيل ابن عنز هو من قوم هود وسيأتي ذكر خبره عند ذكر إرسال الريح على قوم هود إن شاء الله وقدار هو ابن سالف عاقر ناقة صالح ويأتي خبره إن شاء الله.
﴿قَدْ جَآءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ أي آية ظاهرة جلية وشاهد على صحة نبوتي وكثر استعمال هذه الصفة استعمال الأسماء في القرآن فولّيت العوامل كقوله حتى جاءتهم البيّنة وقوله ﴿بِالْبَيِّنَـاتِ وَالزُّبُرِ﴾ والمعنى الآية البينة وبالآيات البينات فقارب أن تكون كالأبطح والأبرق إذ لا يكاد يصرح بالموصول معها وقوله ﴿قَدْ جَآءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ كأنه جواب لقولهم ﴿جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ﴾ تدلّ على صدقك وأنك مرسل إلينا و﴿مِّن رَّبِّكُمْ﴾ متعلق بجاءتكم أو في موضع الصفة لآية على تقدير محذوف أي من آيات ربكم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣١٤
﴿هَـاذِهِا نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ ءَايَةً﴾ لما أبهم في قوله ﴿قَدْ جَآءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ بيّن ما الآية فكأنه قيل له ما البينة قال ﴿هَـاذِهِا نَاقَةُ اللَّهِ﴾ وأضافها إلى الله تشريفاً وتخصيصاً نحو بيت الله وروح الله ولكونه خلقها بغير واسطة ذكر وأنثى ولأنه لا مالك لها غيره ولأنها حجة على القوم ولما أودع فيها من الآيات ذكرها في قصة قوم صالح و﴿لَكُمْ﴾ بيان لمن هي له آية موجبة عليه الإيمان وهم ثمود لأنهم عاينوها وسائر الناس أخبروا عنها كأنه قال ﴿لَكُمْ﴾ خصوصاً وانتصب ﴿ءَايَةً﴾ على الحال والعامل فيها ها بما فيها من معنى التنبيه أو اسم الإشارة بما فيه من معنى الإشارة أو فعل مضمر تدلّ عليه الجملة كأنه قيل انظر إليها في حال كونها آية أقوال ثلاثة ذكرت في علم النحو، وقال الحسن هي ناقة اعترضها من إبلهم ولم تكن تحلب، وقال الزّجاج : قيل إنه أخذ ناقة من سائر النوق وجعل الله لها شرباً يوماً ولهم شرب يوم وكانت الآية في شربها وحلبها، قيل : وجاء بها من تلقاء نفسه، وقال الجمهور : هي آية مقترحة لما حذرهم وأنذرهم سألوه آية فقال أية آية تريدون قالوا تخرج معنا إلى عيدنا في يوم معلوم لهم من السّنة فتدعو إلهك وندعو آلهتنا فإن استجيب لك اتبعناك وإن استجيب لنا اتبعتنا قل صالح نعم فخرج معهم فدعوا أوثانهم وسألوها الإجابة فلم تجبهم ثم قال سيدهم جندع بن عمرو بن جواس وأشار إلى صخرة منفردة من ناحية الجبل يقال لها الكاثبة أخرج لنا من هذه الصخرة ناقة مخترجة جوفاء وبراء وعشراء، والمخترجة ما شاكلت البحت من الإبل فأخذ صالح عليه السلام مواثيقهم لئن فعلت ذلك لتؤمنن ولتصدقن قالوا : نعم فصلى ركعتين ودعا ربه فتمخضت الصخرة تمخض النتوج بولدها ثم تحرّكت فانصدعت عن ناقة كما وصفوا لا يعلم ما بين جنبيها إلا الله عظماً وهم ينظرون ثم نتجت سقباً مثلها في العظم فآمن به جندع ورهط من قومه وأراد أشراف ثمود أن يؤمنوا فنهاهم ذؤاب بن عمرو بن لبيد والحباب صاحبا أوثانهم وريّان ابن كاهنهم وكانوا من أشراف ثمود وهذه الناقة وسقبها مشهور قصتهما عند جاهلية العرب وقد ذكروا السّقب في أشعارهم. قال بعضهم يصف ناساً قتلوا بمعركة حرب بأجمعهم :
كأنهم صابت عليهم سحابةصواعقها كالطير هن دبيب
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣١٤
رغى فوقهم سقب السماء فداحضبشكته لم يستلب وسليب
قال أبو موسى الأشعري : أتيت أرض ثمود فذرعت صدر الناقة فوجدته ستين ذراعاً.


الصفحة التالية
Icon