و ﴿الْمُجْرِمِينَ﴾ عام في قوم نوح وهود وصالح ولوط وغيرهم وهو من نظر التفكر أو من نظر البصر فيمن بقيت له آثار منازل ومساكن كثمود وقوم لوط كما قال تعالى ﴿وَعَادًا وَثَمُودَا وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَـاكِنِهِمْ﴾.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣١٤
﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَـاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـاهٍ غَيْرُهُا﴾. قال الفرّاء ﴿مَدْيَنَ﴾ اسم بلد وقطر وأنشد :
رهبان مدين لو زأوك تنزلوا
فعلى هذا التقدير وإلى أهل مدين، وقيل : اسم قبيلة سميت باسم أبيها مدين بن إبراهيم قاله مقاتل وأبو سليمان الدمشقي، وشعيب قيل : هو ابن بنت لوط، وقيل زوج بنته وهذه مناسبة بين قصته وقصة لوط وشعيب اسم عربي تصغير شعب أو شعب والجمهور على أنّ مدين أعجمي فإن كان عربياً احتمل أن يكون فعيلاً من مدين بالمكان أقام به وهو بناء نادر، وقيل : مهمل أو مفعلاً من دان فتصحيحه شاذ كمريم ومكورة ومطيبة وهو ممنوع الصّرف على كل حال سواء كان اسم أرض أو اسم قبيلة أعجمياً أم عربياً واختلفوا في نسب شعيب، فقال عطاء وابن إسحاق وغيرهما : هو شعيب بن ميكيل بن سجن بن مدين بن إبراهيم واسمه بالسّريانية بيروت، وقال الشرقي بن القطامي : شعيب بن عنقاء بن ثويب بن مدين بن إبراهيم، وقال أبو القاسم اسماعيل بن محمد بن الفضل بن علي الطلحيّ الأصبهاني في كتاب الإيضاح في التفسير من تأليفه : هو شعيب بن ثويب بن مدين بن إبراهيم، وقيل : شعيب بن جذي بن سجن بن اللام بن يعقوب، وكذا قال ابن سمعان إلا أنه جعل مكان اللام لاوي ولا يعرف في أولاد يعقوب اللام فلعله تصحيف من لاوي، وقيل : شعيب بن صفوان بن عنقاء بن ثويب بن مدين بن إبراهيم، وقال الشريف النسابة الجوّاني : وهو المنتهى إليه في هذا العلم هو شعيب بن حبيش بن وائل بن مالك بن حرام بن جذام واسمه عامر أخو نجم وهما ولدا الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن عابر هود عليه السلام فبينه وبين هود في هذا النسب الأخير ثمانية عشر أباً وبينهما في بعض النسب المذكور سبعة آباء لأنه ذكر فيه أنه شعيب بن ثويب بن مدين بن إبراهيم وإبراهيم هو ابن تارح بن ناحور بن ساروغ بن أزغو بن فالغ بن عابر وهو هود عليه السلام وكان يقال لشعيب : خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه، قال قتادة : أرسل مرتين مرّة إلى مدين ومرة إلى أصحاب الأيكة وتعلّق إلى مدين وانتصب ﴿أَخَاهُمْ﴾ بأرسلنا وهذا يقوي قول من نصب لوطاً بأرسلنا وجعله معطوفاً على الأنبياء قبله. ﴿قَدْ جَآءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ﴾
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣١٤
قرأ الحسن آية من ربكم وهذا دليل على أنه جاء بالمعجزة إذ كان نبيّ لا بدّ له من معجزة تدلّ على صدقه لكنه لم يعين هنا ما المعجزة ولا من أي نوع هي كما أنه لرسول الله صلى الله عليه وسلّم معجزات كثيرة جدّاً لم تعين في القرآن وقال قوم : كان شعيب نبيّاً ولم تكن له بينة والبينة هنا الموعظة وأنكر الزجاج هذا القول وقال : لا تقبل نبوة بغير معجزة ومن معجزاته أنه دفع إلى موسى عصاه وتلك العصا صارت تنيناً، وقال الزمخشري : ومن معجزات شعيب ما روي من محاربة عصا موسى التنين حين دفع إليه غنمة وولادة الغنم الدّرع خاصة حين وعده أن يكون له الدّرع من أولادها ووقوع عصا آدم على يده في المرّات السبع وغير ذلك من الآيات لأنّ هذه كلها كانت قبل أن ينبأ موسى عليه السلام فكانت معجزات لشعيب، وقال الزجاج : وأيضاً قال لموسى عليه السلام هذه الأغنام تلد أولاداً فيها سواد وبياض وقد وهبتها لك فكان الأمر كما أخبر عنه وهذه الأحوال كلها كانت معجزة لشعيب عليه السلام لأنّ موسى عليه السلام في ذلك الوقت ما ادّعى الرسالة انتهى، وما قاله الزمخشري متّبعاً فيه الزجاج هو قول المعتزلة وذلك أن الإرهاص وهو ظهور المعجزة على
٣٣٦
يد من سيصير نبيّاً ورسولاً بعد ذلك مختلف في جوازه فالمعتزلة تقول : هو غير جائز فلذلك جعلوا هذه المعجزات لشعيب وأهل السنّة يقولون بجوازه فهي إرهاص لموسى بالنبوة قبل الوحي إليه والحجج للمذهبين مذكورة في أصول الدين.