﴿فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ﴾ أمرهم أولاً بشيء خاص وهو إيفاء الكيل والميزان ثم نهاهم عن شيء عام وهو قوله ﴿أَشْيَآءَهُمْ﴾ و﴿الْكَيْلَ﴾ مصدر كنى به عن الآلة التي يكال بها كقوله في هود ﴿الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ﴾ فطابق قوله ﴿وَالْمِيزَانَ﴾ أو هو باق على المصدرية وأريد بالميزان المصدر كالميعاد لا الآلة فتطابقا أو أخذ الميزان على حذف مضاف أي ووزن الميزان والكيل على إرادة المكيال فتطابقا والبخس تقدّم شرحه في قوله ﴿وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْـاًا ﴾ و﴿أَشْيَآءَهُمْ﴾ عام في كل شيء لهم، وقيل : أموالهم، وقال التبريزي : حقوقهم وفي إضافة الأشياء إلى الناس دليل على ملكهم إياها خلافاً للإباحيّة الزنادقة كانوا يبخسون الناس في مبايعاتهم وكانوا مكاسين لا يدعون شيئاً إلا مكسوه ومنه قيل للمكس البخس وروي أنهم كانوا إذا دخل الغريب بلدهم أخذوا دراهمه الجياد وقالوا هي زيوف فقطعوها قطعاً ثم أخذوها بنقصان ظاهر وأعطوه بدلها زيوفاً وكانت هذه المعصية قد فشت فيهم في ذلك الزمان مع كفرهم الذي نالتهم الرّجفة بسببه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣١٤
﴿وَلا تُفْسِدُوا فِى الارْضِ بَعْدَ إِصْلَـاحِهَا﴾ تقدّم تفسير هذه الجملة قريباً في هذه السورة.
﴿ذَالِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ الإشارة إلى إيفاء الكيل والميزان وترك البخس والإفساد وخير أفعل التفضيل أي من التطفيف والبخس والإفساد لأنّ خيرية هذه لكم عاجلة جداً منقضية عن قريب منكم إذ يقطع الناس معاملتكم ويحذرونكم فإذا أوفيتم وتركتم البخس والإفساد جملت سيرتكم وحسنت الأحدوثة عنكم وقصدكم الناس بالتجارات والمكاسب فيكون ذلك أخير مما كنتم تفعلون لديمومة التجارة والأرباح بالعدل في المعاملات والتحلي بالأمانات، وقيل :﴿ذالِكُمْ﴾ إشارة إلى الإيمان الذي تضمنه قوله ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـاهٍ غَيْرُهُا﴾ وإلى ترك البخس في الكيل والميزان، وقيل :﴿خَيْرٌ﴾ هنا ليست على بابها من التفضيل ولذلك فسّره ابن عطية بقوله أي ذاك نافع عند الله مكسب فوزه ورضوانه وظاهر قوله ﴿إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ أنهم كانوا كافرين وعلى ذلك يدل صدر الآية وآخر القصة فمعنى ذلك أنه لا يكون ذلك لكم خيراً ونافعاً عند الله إلا بشرط الإيمان والتوحيد وإلا فلا ينفع عمل دون إيمان، وقال الزمخشري ﴿إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ إن كنتم مصدقين لي في قولي ﴿ذَالِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣١٤
﴿وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِهِا وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا ﴾
٣٣٧