عليه من الإخراج عن مواطنهم ظلماً أو الإقرار بالعود في ملتهم، قال الزمخشري الهمزة للاستفهام والواو واو الحال تقديره أتعيدوننا في ملّتكم في حال كراهتنا أو مع كوننا كارهين انتهى، فجعل الاستفهام خاصاً بالعود في ملتهم وليس كذلك بل الاستفهام هو عن أحد الأمرين الإخراج أو العود وجعل الواو واو الحال وقدره أتعيدوننا في حال كراهتنا وليست واو الحال التي يعبّر عنها النحويون بواو الحال بل هي واو العطف عطفت على حال محذوفة كقوله ﴿وَأَمَّا السَّآاِلَ﴾ ليس المعنى ردّوه في حال الصدفة عليه بظلف محرق بل المعنى ردّوه مصحوباً بالصدقة ولو مصحوباً بظلف مخرق تقدم لنا إشباع القول في نحو هذا.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٤١
﴿كُنَّا كَـارِهِينَ * قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِى مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّـانَا اللَّهُ مِنْهَا ﴾ هذا إخباره مقيّد من حيث المعنى بالشرط وجواب الشرط محذوف من حيث الصناعة وتقديره ﴿إِنْ عُدْنَا فِى مِلَّتِكُم﴾ فقد افترينا وليس قوله ﴿قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ هو جواب الشرط إلا على مذهب من يجيز تقديم جواب الشرط على الشرط فيمكن أن يخرج هذا عليه وجوّزوا في هذه الجملة وجهين أحدهما أن يكون إخباراً مستأنفاً، قال الزمخشري : فيه معنى التعجّب كأنهم قالوا ما أكذبنا على الله إن عدنا في الكفر بعد الإسلام لأنّ المرتدّ أبلغ في الافتراء من الكافر يعني الأصلي لأن الكافر مفتر على الله الكذب حيث يزعم أن لله ندًّا ولا ندّ له والمرتد مثله في ذلك وزائد عليه حيث يزعم أنه قد بيّن له ما خفي عليه من التمييز ما بين الحق والباطل. وقال ابن عطية : الظاهر أنه خبر أي قد كنا نواقع أمراً عظيماً في الرجوع إلى الكفر، والوجه الثاني أن يكون قسماً على تقدير حذف اللام أي والله لقد افترينا ذكره الزمخشري وأورده ابن عطية احتمالاً قال : ويحتمل أن يكون على جهة القسم الذي هو في صيغة الدّعاء مثل قول الشاعر :
بقيت وفري وانحرفت عن العلاولقيت أضيافي بوجه عبوس
وكما تقول افتريت على الله أن كلمت فلاناً ولم ينشد ابن عطية البيت الذي يقيّد قوله بقيت وما بعده بالشرط وهو قوله :
إن لم أشن على ابن هند غارةلم تخلُ يوماً من نهاب نفوس
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٤١
ولما كان أمر الدّين هو الأعظم عند المؤمن والمؤثر على أمر الدنيا لم يلتفتوا إلى الإخراج وإن كان أحد الأمرين هو الأعظم عند المؤمن والمؤثر على الكذب أقسم على وقوعه الكفار فقالوا قد افترينا على الله كذباً إن عدنا في ملّتكم وتقدّم تفسير العود بالصيرورة وتأويله إن كان في معنى الرجوع إلى ما كان الإنسان فيه بالنسبة إلى النبي المعصوم من الكبائر والصغائر. ﴿وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّعُودَ فِيهَآ إِلا أَن يَشَآءَ اللَّهُ رَبُّنَا ﴾ أي وما ينبغي ولا يتهيّأ لنا أن نعود في ملّتكم إلا أن يشاء الله ربّنا فنعود فيها وهذا الاستثناء على سبيل عذق جميع الأمور بمشيئة الله وإرادته وتجويز العود
٣٤٣
من المؤمنين إلى ملتهم دون شعيب لعصمته بالنبوّة فجرى الاستثناء على سبيل تغليب حكم الجمع على الواحد وإن لم يكن ذلك الواحد داخلاً في حكم الجمع، وقال ابن عطية : ويحتمل أن يريد استثناء ما يمكن أن يتعبّد الله به المؤمنين مما تفعله الكفرة من القربات فلما قال لهم إنا لا نعود في ملّتكم ثم خشي أن يتعبّد الله بشيء من أفعال الكفرة فيعارض ملحد بذلك ويقول هذه عودة إلى ملتنا استثنى مشيئة الله فيما يمكن أن يتعبّد به انتهى، وهذا الاحتمال لا يصحّ لأن قوله ﴿بَعْدَ إِذْ نَجَّـانَا اللَّهُ مِنْهَا ﴾ إنما يعني النجاة من الكفرة والمعاصي لا من أعمال البرّ، وقال ابن عطية : ويحتمل أن يريد بذلك معنى الاستبعاد كما تقول لا أفعل ذلك حتى يشيب الغراب وحتى يلج الجمل في سم الخياط وقد علم امتناع ذلك فهي إحالة على مستحيل وهذا تأويل حكاه المفسرون ولم يشعروا بما فيه انتهى، وهذا تأويل إنما هو للمعتزلة مذهبهم أنّ الكفر والإيمان ليس بمشيئة من الله تعالى، وقال الزمخشري :(فإن قلت) : وما معنى قوله ﴿وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّعُودَ فِيهَآ إِلا أَن يَشَآءَ اللَّهُ﴾ والله تعالى متعال أن يشاء ردة المؤمنين وعودهم في الكفر، (قلت) : معناه إلا أن يشاء الله خذلاننا ومنعنا الإلطاف لعلمه تعالى أنها لا تنفع فينا ويكون عبثاً والعبث قبيح لا يفعله الحكيم والدليل عليه قوله ﴿وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ أي هو عالم بكل شيء مما كان ويكون وهو تعالى يعلم أحوال عباده كيف تتحوّل قلوبهم وكيف تنقلب وكيف تقسو بعد الرّقة وتمرض بعد الصحة وترجع إلى الكفر بعد الإيمان ويجوز أن يكون قوله
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٤١