﴿إِلا أَن يَشَآءَ اللَّهُ﴾ حسماً لطمعهم في العود لأن مشيئة الله تعالى بعودهم في الكفر محال خارج عن الحكمة انتهى وهذان التأويلان على مذهب المعتزلة، وقيل : هذا الاستثناء إنما هو تسليم وتأدّب، قال ابن عطية : وتعلق هذا التأويل من جهة استقبال الاستثناء ولو كان الكلام إن شاء قوى هذا التأويل انتهى وليس يقوي هذا التأويل لا فرق بين إلا أن يشاء وبين إلا أن شاء لأنّ انّ تخلص الماضي للاستقبال كما تخلص أنْ المضارع للاستقبال وكلا الفعلين مستقبل وأبعد من ذهب إلى أن الضمير في ﴿فِيهَآ﴾ يعود على القرية لا على الملح. ﴿وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ تقدم تفسير نظيرها في الأنعام في قصة إبراهيم عليه السلام. ﴿عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا ﴾ أي في دفع ما توعدتمونا به وفي حمايتنا من الضلال وفي ذلك استسلام الله وتمسّك بلطفه وذلك يؤيد التأويل الأوّل في إلا أن يشاء الله، وقال الزمخشري : يثبتنا على الإيمان ويوفقنا لازدياد الإيقان. ﴿رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَـاتِحِينَ﴾ أي احكم والفاتح والفتاح القاضي بلغة حمير وقيل بلغة مراد، وقال بعضهم :
ألا أبلغ بني عصم رسولافإني عن فتاحتكم غني
وقال ابن عباس : ما كنت أعرف معنى هذه اللفظة حتى سمعت بنت ذي يزن تقول لزوجها تعال
٣٤٤
أفاتحْك أي أحاكمك، وقال الفرّاء أهل عمان يسمون القاضي الفاتح، وقال السدّي وابن بحر : احكم بيننا، قال أبو إسحاق وجائز أن يكون المعنى أظهر أمرنا حتى ينفتح ما بيننا وبين قومنا وينكشف ذلك وذلك بأن ينزل بعدوّهم من العذاب ما يظهر به أنّ الحق معهم، قال ابن عباس : كان كثير الصلاة ولما طال تمادى قومه في كفرهم ويئس من صلاحهم دعا عليهم فاستجاب دعاءه وأهلكهم بالرّجفة، وقال الحسن : إنّ كل نبي أراد هلاك قومه أمره بالدعاء عليهم ثم استجاب له فأهلكهم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٤١
﴿وَقَالَ الْمَلا الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِا لَـاِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَـاسِرُونَ﴾ أي قال بعضهم لبعض أي كبراؤهم لاتباعهم تثبيطاً عن الإيمان :﴿لَـاِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا﴾ فيما أمركم به ونهاكم عنه، قال الزمخشري :(فإن قلت) : ما جواب القسم الذي وطأته اللام في ﴿لَـاِنِ اتَّبَعْتُمْ﴾ وجواب الشرط (قلت) : قوله ﴿إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَـاسِرُونَ﴾ سادّ مسدّ الجوابين انتهى، والذي تقول النحويون إنّ جواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه ولذلك وجب مضي فعل الشرط فإن عنى الزمخشري بقوله سادّ مسدّ الجوابين إنه اجتزىء به عن ذكر جواب الشرط فهو قريب وإن عنى به أنه من حيث الصناعة النحوية فليس كما زعم لأن الجملة يمتنع أن تكون لا موضع لها من الإعراب وأن يكون لها موضع من الإعراب ﴿وَإِذَآ﴾ هنا معناها التوكيد وهي الحرف الذي هو جواب ويكون معه الجزاء وقد لا يكون وزعم بعض النحويين أنها في هذا الموضع ظرف العامل فيه ﴿لَّخَـاسِرُونَ﴾ والنون عوض من المحذوف والتقدير أنكم إذا اتبعتموه ﴿لَّخَـاسِرُونَ﴾ فلما حذف ما أضيف إليه عوض من ذلك النون فصادفت الألف فالتقى ساكنان فحذف الألف لالتقائهما والتعويض فيه مثل التعويض في يومئذ وحينئذ ونحوه وما ذهب إليه هذا الزاعم ليس بشيء لأنه لم يثبت التعويض والحذف في ﴿إِذَآ﴾ التي للاستقبال في موضع فيحمل هذا عليه، ﴿لَّخَـاسِرُونَ﴾ قال ابن عباس : مغبونون، وقال عطاء : جاهلون، وقال الضحاك : عجزة، وقال الزمخشري : لخاسرون لاستبدالكم الضلالة بالهدى لقوله ﴿أُوالَئاِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَـالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَـارَتُهُمْ﴾. وقيل تخسرون باتباعه فوائد البخس والتطفيف لأنه ينهاكم عنه ويحملكم على الإيفاء والتسوية انتهى. ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَـاثِمِينَ﴾ تقدم تفسير مثل هذه الجملة، قال ابن عباس وغيره : لما دعى عليهم فتح عليهم باب من جهنم بحرَ شديد أخذ بأنفاسهم فلم ينفعهم ظلّ ولا ماء فإذا دخلوا الأسراب ليتبرّدوا وجدوها أشدّ حرًّا من الظاهر فخرجوا هرباً إلى البرية فأظلتهم سحابة فيها ريح طيبة فتنادوا عليكم الظلة فاجتمعوا تحتها كلهم فانطبقت عليهم وألهبها الله ناراً ورجفت بهم الأرض فاحترقوا كما يحترق الجراد المقلو فصاروا رماداً.
٣٤٥
وروي أن الريح حبست عنهم سبعة أيام ثم سلّط عليهم الحر، وقال يزيد الجريري : سلط عليهم الرّيح سبعة أيام ثم رفع لهم جبل من بعيد فأتاه رجل فإذا تحته أنهار وعيون فاجتمعوا تحته كلهم فوقع ذلك الجبل عليهم، وقال قتادة : أرسل شعيب إلى أصحاب الأيكة فأهلكوا بالظلّة وإلى أصحاب مدين فصاح بهم جبريل صيحةً فهلكوا جميعاً وقال ابن عطية : ويحتمل أنّ فرقة من قوم شعيب هلكت بالرّجفة وفرقة هلكت بالظلّة، وقال الطبري بلغني أنّ رجلاً منه يقال له عمرو بن جلّها لما رأى الظلة. قال الشاعر :