جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٤١
يا قوم إن شعيباً مرسل فذرواعنكم سميراً وعمران بن شدّاد إني أرى غيمة يا قوم قد طلعت تدعو بصوت على صمانة الواد وإنه لن تروا فيها صحاء غدإلا الرّقيم تمشي بين أنجاد
سمير وعمران كاهناهم والرّقيم كلبهم، وعن أبي عبد الله البجلي : أبو جاد وهوّز وحطى وكلمن وسعفص وقرشت أسماء كملوك مدين وكان كلمن ملكهم يوم نزول العذاب بهم زمان شعيب عليه السلام فلما هلك قالت ابنته تبكيه :
كلمن قد هدّ ركنيهلكه وسط المحله
سيّد القوم أتاهحتف نار وسط ظله
جُعلت نار عليهمدارهم كالمضمحله
﴿الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا ﴾ أي كأن لم يقيموا ناعمي البال رخيي العيش في دارهم وفيها قوة الإخبار عن هلاكهم وحلول المكروه بهم والتنبيه على الاعتبار بهم كقوله تعالى :﴿فَجَعَلْنَـاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالامْسِ﴾ وكقول الشاعر :
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفاأنيس ولم يسمر بمكة سامر
وقال ابن عطية : وغنيت بالمكان إنما يقال في الإقامة التي هي مقترنة بتنعم وعيش رخي هذا الذي استقريت من الأشعار التي ذكرت العرب فيها هذه اللفظة وأنشد على ذلك عدّة أبيان ثم قال وأما قول الشاعر :
غنينا زماناً بالتصعلك والغنىفكلاًّ سقانا بكاسيهما الدهر
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٤١
فمعناه استغنينا ورضينا مع أنّ هذه اللفظه ليست مقترنة بمكان انتهى، وقال ابن عباس : كأن لم يعمروا، وقال قتادة : كأن لم ينعموا، وقال الأخفش : كأن لم يعيشوا، وقال أيضاً قتادة وابن زيد ومقاتل : كأن لم يكونوا، وقال الزجاج : كأن لم ينزلوا، وقال ابن قتيبة : كأن لم يقيموا و﴿الَّذِينَ﴾ مبتدأ والجملة التشبيهية خبره، قال الزمخشري : وفي هذا الابتداء معنى الاختصاص كأنه قيل ﴿الَّذِينَ كَذَبُوا ﴾ شعيباً المخصوصون بأن أهلكوا واستؤصلوا كأن لم يقيموا في دارهم لأنّ الذين اتبعوا شعيباً قد أنجاهم الله تعالى انتهى، وجوّز أبو البقاء أن يكون الخبر ﴿الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا﴾ كانوا هم الخاسرين و﴿كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا ﴾ حال من الضمير في ﴿كَذَّبُوا ﴾ وجوّز أيضاً أن يكون الذين كذبوا صفة لقول الذين كفروا من قومه وأن يكون بدلاً منه وعلى هذين الوجهين يكون ﴿كَانَ﴾ حالاً انتهى، وهذه أوجه متكلفة والظاهر أنها جمل مستقلة لا تعلق بما قبلها من جهة الإعراب. ﴿الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَـاسِرِينَ﴾ هذا أيضاً مبتدأ وخبره، وقال الزمخشري : وفيه معنى الاختصاص أي هم المخصوصون بالخسران العظيم دون اتباعه فإنهم هم الرابحون وفي هذا الاستئناف لهذا الابتداء وهذا التكرير مبالغة في ردّ
٣٤٦
مقالة الملأ لأشياعهم وتسفيه لرأيهم واستهزاء بنصحهم لقومهم واستعظام لما جرى عليهم انتهى، وهاتان الجملتان منبئتان عن ما فعل الله بهم في مقالتهم قالوا ﴿لَنُخْرِجَنَّكَ يَـاشُعَيْبُ﴾ فجاء الإخبار بإخراجهم بالهلاك وأي إخراج أعظم من إخراجهم وقالوا :﴿لَـاِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَـاسِرُونَ﴾ فحكم تعالى عليهم هم بالخسران وأجاز أبو البقاء في إعراب ﴿الَّذِينَ﴾ هنا أن يكون بدلاً من الضمير في ﴿يُغْنُوا ﴾ أو منصوباً بإضمار أعني والابتداء الذي ذكرناه أقوى وأجزل. ﴿فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَـاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَـالَـاتِ رَبِّى وَنَصَحْتُ لَكُمْ﴾ تقدّم تفسير نظيره في قصة صالح عليه السلام. ﴿فَكَيْفَ ءَاسَى عَلَى قَوْمٍ كَـافِرِينَ﴾ أي فكيف أحزن على من لا يستحق أن يحزن عليه ونبّه على العلة التي لا تبعث على الحزن وهي الكفر إذ هو أعظم ما يعادى به المؤمن إذ هما نقضيان كما جاء لا تتراءى ناراً هما وكأنه وجد في نفسه رقّة عليهم حيث كان أمله فيهم أن يؤمنوا فلم يقدر فسرى ذلك عن نفسه باستحضار سبب التسلي عنهم والقسوة فذكر أشنع ما ارتكبوه معه من الوصف الذي هو الكفر بالله الباعث على تكذيب الرّسل وعلى المناوأة الشديدة حتى لا يساكنواه وتوعدوه بالإخراج وبأشد منه وهو عودهم إلى ملتهم، قال مكي : وسار شعيب بمن تبعه إلى مكة فسكنوها وقرأ ابن وثاب وابن مصرّف والأعمش إيسي بكسر الهمزة وهي لغة تقدّم ذكرها في الفاتحة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٤١