﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَـافِرِينَ﴾ أي مثل ذلك الطبع على قلوب أهل القرى حين انتفت عنهم قابلية الإيمان وتساوي أمرهم في الكفر قبل المعجزات وبعدها يطبع الله على قلوب الكافرين ممن أتى بعدهم، قال الكرماني تقدم ذكر الله بالصريح وبالكناية فجمع بينهما فقال ﴿وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ وختم بالصريح فقال ﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ﴾، وفي يونس بني على ما قبله بنون العظمة في قوله ﴿ثُمَّ بَعَثْنَا﴾
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٤١
فناسب لطبع بالنون. ﴿وَمَا وَجَدْنَا لاكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ﴾ أي لأكثر الناس أو أهل القرى أو الأمم الماضية احتمالات ثلاثة قاله التبريزي والعهد هنا هو الذي عوهدوا عليه في صلب آدم قاله أبيّ وابن عباس أو الإيمان قاله ابن مسعود ويدلّ عليه الأمن اتخذ عند الله عهداً وهو لا إله إلا الله فالمعنى من إيفاء أو التزام عهد، وقيل العهد هو وضع الأدلة على صحة التوحيد والنبوة إذ ذلك عهد في رقاب العقلاء كالعقود فعبر عن صرف عقولهم إلى النظر في ذلك بانتفاء وجدان العهد و﴿مِنْ﴾ في ﴿مَّنْ عَـاهَدَ﴾ زائدة تدلّ على الاستغراق لجنس العهد. ﴿وَإِن وَجَدْنَآ أَكْثَرَهُمْ لَفَـاسِقِينَ﴾ إنْ هنا هي المخففة من الثقيلة ووجد بمعنى علم ومفعول ﴿وَجَدْنَآ﴾ الأولى ﴿لاكْثَرِهِم﴾ ومفعول الثانية ﴿لَفَـاسِقِينَ﴾ واللام للفرق بين إن المخففة من الثقيلة وإن النافية وتقدّم الكلام على ذلك في قوله ﴿وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً﴾ ودعوى بعض الكوفيين أنّ إن في نحو هذا التركيب هي النافية واللام بمعنى إلا، وقال الزمخشري : وإنّ الشأن والحديث وجدنا انتهى، ولا يحتاج إلى هذا التقدير وكان الزمخشري يزعم أنّ إن إذا خففت كان محذوفاً منها الاسم وهو الشأن والحديث إبقاءً لها على الاختصاص بالدخول على الأسماء وقد تقدّ لنا تقدير نظير ذلك ورددنا عليه.
﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِنا بَعْدِهِم مُّوسَى بِـاَايَـاتِنَآ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلايْهِا فَظَلَمُوا بِهَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ لما قصّ الله تعالى على نبيه أخبار نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وما آل إليه أمر قومهم وكان هؤلاء لم يبقَ منهم أحد أتبع بقصص موسى وفرعون وبني إسرائيل إذ كانت معجزاته من أعظم المعجزات وأمته من أكثر الأمم تكذيباً وتعنتاً واقتراحاً وجهلاً وكان قد بقي من اتباعه عالم وهم اليهود فقصّ الله علينا قصصهم لنعتبر ونتعظ وننزجر عن أن نتشبه بهم، ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنّ بين موسى وشعيب عليهما السلام مصاهرة كما حكى الله في كتابه ونسب لكونهما من نسل إبراهيم ولما استفتح قصة نوح بنون العظمة اتبع ذلك قصة موسى فقال :﴿الْمُنذَرِينَ * ثُمَّ بَعَثْنَا﴾ والضمير في ﴿مِّنا بَعْدِهِمْ﴾ عائد على الرسل من قوله و﴿لَقَدْ﴾ أو للأمم السابقة والآيات الحجج التي آتاه الله على قومه أو الآيات التسع أو التوراة أقوال وتعدية فظلموا بالباء إما على سبيل التضمين بمعنى كفروا بها ألا ترى إلى قوله ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ وإما أن تكون الباء سببية أي ظلموا أنفسهم بسببها أو الناس حيث صدوهم عن الإيمان أو الرسول فقالوا سحر وتمويه أقوال، وقال الأصم : ظلموا تلك النعم التي آتاهم الله بأن استعانوا بها على معصية الله تعالى فانظرو أيها السامع ما آل إليه أمر المفسدين الظالمين جعلهم
٣٥٤
مثالاً توعد به كفرة عصر الرسول عليه السلام.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٤١


الصفحة التالية
Icon