منيرة شفافة كالشمس ثم يردّها فترجع إلى لون موسى وكان آدم عليه السلام شديد الأدمة، وقال ابن عباس صارت نوراً ساطعاً يضيء له ما بين السماء والأرض له لمعان مثل لمعان البرق فخرّوا على وجوههم، وقال الكلبي : بلغنا أن موسى عليه السلام قال يا فرعون ما هذه بيدي قال : هي عصا فألقاها موسى فإذا هي ثعبان، وروي أن فرعون رأى يد موسى فقال لفرعون ما هذه فقال : يدك ثم أدخلها جيبه وعليه مدرعة صوف ونزعها فإذا هي بيضاء بياضاً نورانياً غلب شعاعها شعاع الشمس وما أعجب أمر هذين الخارقين أحدهما في نفسه وذلك اليد البيضاء، والأخر في غير نفسه وهي العصا وجمع بذينك تبدّل الذرات وتبدل الاعراض فكانا دالين على جواز الأمرين وإنهما كلاهما ممكن الوقوع، قال أبو محمد بن عطية : هاتان الآيتان عرضهما موسى عليه السلام للمعارضة ودعا إلى الله بهما وخرق العادة بهما وتحدّى الناس إلى الدين بهما فإذا جعلنا التحدّي الدّعاء إلى الدين مطلقاً فبهما تحدى وإذا جعلنا التحدّي الدعاء بعد العجز عن معارضة المعجزة وظهور ذلك فتنفرد حينئذ العصا بذلك لأنّ المعارضة والمعجز فيها وقعا ويقال : التحدّي هو الدعاء ألى الإتيان بمثل المعجزة فهذه نحو ثالث وعليه يكون تحدّي موسى بالآيتين جميعاً لأنّ الظاهر من أمره أنه عرضهما معاً وإن كان لم ينص على الدعاء إلى الإتيان بمثلهما انتهى، وهو كلام فيه تثبيج.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٤١
﴿قَالَ الْمَلا مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَسَـاحِرٌ عَلِيمٌ﴾. وفي الشعراء ﴿قَالَ لِلْمَلا حَوْلَهُا إِنَّ هذا لَسَـاحِرٌ عَلِيمٌ﴾ والجمع بينهما أن فرعون وهم قالوا هذا الكلام فحكى هنا قولهم وهناك قوله أو قاله ابتداء فتلقفه منه الملأ فقالوه لأعقابهم أو قالوه عنه للناس على طريق التبليغ كما تفعل الملوك يرى الواحد منهم الرأي فيكلم به من يليه من الخاصّة ثم تبلغه الخاصة العامة والدليل عليه أ نهم أجابوه في قوله ﴿أَرْجِهْ﴾ وكان السحر إذ ذاك في أعلى المراتب فلما رأوا انقلاب العصا ثعباناً والأدماء بيضاء وأنكروا النبوة ودافعوه عنها قصدوا ذمه بوصفه بالسحر وحطّ قدره إذ لم يمكنهم في ظهور ما ظهر على يده نسبة شيء إليه غير السحر وبالغوا في وصفه بأن قالوا :﴿عَلِيمٌ﴾ أي بالغ الغاية في علم السّحر وخدعه وخيالاته وفنونه وأكثر استعمال لفظ هذا إذا كان من كلام الكفار في التنقص والاستغراب كما قال ﴿أَهَـاذَا الَّذِى يَذْكُرُ ءَالِهَتَكُمْ﴾، ﴿أَهَـاذَا الَّذِى بَعَثَ اللَّهُ رَسُولا﴾، إنْ هذا إلا أساطير الأولين ﴿مَا هَـاذَآ إِلا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ﴾ ﴿إِنْ هَـاذَانِ لَسَـاحِرَانِ﴾ ﴿إِن كَانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ﴾ يعدلون عن لفظ اسم ذلك الشيء إلى لفظ الإشارة وأكدّوا نسبة السحر إليه بدخول إن واللام.
من بني إسرائيل فبعث بهم إلى قرية. قال البغوي : هي الفرما يعلمونهم السحر كما يعلمون الصبيان في المكتب فعلموهم سحراً كثيراً وواعد فرعون موسى موعداً ثم دعاهم وسألهم فقال : ماذا صنعتم قالوا علمناهم من السحر ما لا يقاومهم به أهل الأرض إلا أن يكون أمراً من السماء فإنه لا طاقة لنا به، وقرأ الأخوان بكل سحّار هنا وفي يونس والباقون ﴿سَـاحِرٌ﴾ وفي الشعراء أجمعوا على سحار وتناسب سحار ﴿عَلِيمٌ﴾ لكونهما من ألفاظ المبالغة ولما كان قد تقدّم ﴿إِنَّ هذا لَسَـاحِرٌ عَلِيمٌ﴾ ناسب هنا أن يقابل بقوله ﴿بِكُلِّ سَـاحِرٍ عَلِيمٍ﴾.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٤١
﴿وَجَآءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لاجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَـالِبِينَ﴾ في الكلام حذف يقتضيه المعنى وتقديره فأرسل حاشرين وجمعوا السحرة وأمرهم بالمجيء واضطرب الناقلون للأخبار في عددهم
٣٦٠