﴿فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ قال ابن عباس والحسن ظهر واستبان، وقال أرباب المعاني الوقوع ظهور الشيء بوجوده نازلاً إلى مستقره، قال القاضي : فوقع الحقّ يفيد قوة الظهور والثبوت بحيث لا يصحّ فيه البطلان كما لا يصح في الواقع أن يصير إلا واقعاً ومع ثبوت الحقّ بطلب وزالت تلك الأعيان التي أتوا بها وهي الحبال والعصي، قال الزمخشري : ومن بدع التفاسير فوقع في قلوبهم أي فأثر فيها من قولهم فاس وقيع أي مجرد انتهى، و﴿مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ يعم سحر السحرة وسعى فرعون وشيعته. ﴿فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَـاغِرِينَ﴾ أي غلب جميعهم في مكان اجتماعهم أو ذلك الوقت ﴿وَانقَلَبُوا ﴾ أذلاّء وذلك أنّ الانقلاب إن كان قبل إيمان السحرة فهم شركاؤهم في ضمير ﴿انقَلَبُوا ﴾ وإن كان بعد الإيمان فليسوا داخلين في الضمير ولا لحقّهم صغار يصفهم الله به لأنهم آمنوا واستشهدوا وهذا إذا كان الانقلاب حقيقة أما إذا لوحظ فيه معنى الصيرورة فالضمير في ﴿وَانقَلَبُوا ﴾ شامل للسحرة وغيرهم ولذلك فسّره الزمخشري بقوله وصاروا أذلاّء بهوتين. ﴿وَأُلْقِىَ السَّحَرَةُ سَـاجِدِينَ﴾ لما كان الضمير قبل مشتركاً جرد المؤمنون وأفردوا بالذكر والمعنى خرُّوا سجداً كأنما ألقاهم ملق لشدة خرورهم، وقيل : لم يتمالكوا مما رأوا فكأنهم ألقوا وسجودهم كان لله تعالى لما رأوا من قدرة الله تعالى فتيقنوا نبوّة موسى عليه السلام واستعظموا هذا النوع من قدرة الله تعالى، وقيل : ألقاهم الله سجداً سبب لهم من الهدى ما وقعوا به ساجدين، وقيل سجدوا موافقة لموسى وهارون فإنهم سجدا لله شكراً على وقوع الحقّ فوافقوهما إذ عرفوا الحقّ فكأنما ألقياهم، قال قتادة : كانوا أول النهار كفاراً سحرة وفي آخره شهداء بررة، وقال الحسن : تراه ولد في الإسلام ونشأ بين المسلمين يبيع دينه بكذا وكذا وهؤلاء كفار نشأوا في الكفر بذلوا أنفسهم لله تعالى. ﴿قَالُوا ءَامَنَّا بِرَبِّ الْعَـالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَـارُونَ﴾ أي ساجدين قائلين فقالوا في موضع الحال من الضمير في ﴿سَـاجِدِينَ﴾ أو من السحرة وعلى التقديرين فهم ملتبسون بالسجود لله شكراً على المعرفة والإيمان والقول المنبىء عن التصديق الذي محله القلوب ولما كان السجود أعظم القرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد بادروا به متلبسين بالقول الذي لا بد منه عند القادر عليه إذ الدخول في الإيمان إنما يدل عليه القول وقالوا رب العالمين وفاقاً لقول موسى إني رسول من ربّ العالمين ولما كان قد يوهم هذا اللفظ غير الله تعالى كقول فرعون أنا ربكم الأعلى نصّوا بالبدل على أنّ ربّ العالمين
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٦٢
﴿رَبِّ مُوسَى وَهَـارُونَ﴾ وأنهم فارقوا فرعون وكفروا بربوبيته والظاهر أن قائل ذلك جميع السحرة، وقيل : بل
٣٦٤
قاله رؤساؤهم وسمى ابن إسحاق منهم الرؤساء فقال هم سابور وعازور وخطخط ومصفى وحكاه ابن ماكولا أيضاً، وقال مقاتل : أكبرهم شمعون وبدأوا بموسى قبل هارون وإن كان أكبر سناً من موسى قيل بثلاث سنين لأنّ موسى هو الذي ناظر فرعون وظهرت المعجزتان في يده وعصاه ولأن قوله ﴿وَهَـارُونَ﴾ فاصلة وجاء في طه ﴿بِرَبِّ هَـارُونَ وَمُوسَى ﴾ لأنّ موسى فيها فاصلة ويحتمل وقوع كل منهما مرتّباً من طائفة وطائفة فنسب فعل بعض إلى المجموع في سورة وبعض إلى المجموع في شورة أخرى، قال المتكلمون : وفي الآية دلالة على فضيلة العلم العلم لأنهم لما كانوا كاملين في علم السحر علموا أنّ ما جاء به موسى حقّ خارج عن جنس السحر ولولا العلم لتوهّموا أنه سحر وأنه أسحر منهم.
﴿قَالَ فِرْعَوْنُ ءَامَنتُم بِهِا قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ﴾ قرأ حفص ﴿أَمِنتُمْ﴾ على الخبر في كل القرآن أي فعلتم هذا الفعل الشنيع وبّخهم بذلك وقرعهم، وقرأ العربيان ونافع والبزي بهمزة استفهام ومدة بعدها مطولة في تقدير ألفين إلا ورشاً فإنه يسهل الثانية ولم يدخل أحد ألفاً بين المحققة والملينة وكذلك في طه والشعراء، وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر فيهن بالاستفهام وحققا الهمزة وبعدها ألف وقرأ قنبل هنا بإبدال همزة الاستفهام واواً الضمة نون فرعون وتحقيق الهمزة بعدها أو تسهيلها أو إبدالها أو إسكانها أربعة أوجه وقرأ في طه مثل حفص وفي الشعراء مثل البزي هذا الاستفهام معناه الإنكار والاستبعاد والضمير في ﴿بِهِ﴾ عائد على الله تعالى لقولهم ﴿قَالُوا ءَامَنَّا بِرَبِّ الْعَـالَمِينَ﴾، وقيل يحتمل أن يعود على موسى وفي طه والشعراء يعود في قوله له على موسى لقوله ﴿إِنَّه لَكَبِيرُكُمُ﴾، وقيل آمنت به وآمنت له واحد في قوله ﴿قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ﴾ دليل على وهن أمره لأنه إنما جعل ذنبهم بمفارقة الإذن ولم يجعله نفس الإيمان إلا بشرط.