وقتاً بعينه، وقال يحيى بن سلام : الأجل هاهنا الغرق قال وإنما قال هذا القول لأنه رأى جمهور هذه الطائفة قد اتفق أن هلكت غرقاً فاعتقد أنّ الإشارة هاهنا إنما هي في الغرق وهذا ليس بلازم لأنه لا بد أنه مات منهم قبل الغرق عالم ومنهم من أخر وكشف العذاب عنهم إلى أجل بلغه انتهى وفي التحرير إلى أجل إلى انقضاء مدة إمهالهم وهي المدة المضروبة لإيمانهم، وقيل : الغرق، وقيل : الموت وإذا فسر الأجل بالموت أو بالغرق فلا يصحّ كشف العذاب إلى ذلك الوقت أي وقت حصول الموت أو الغرق لأنه قد تخلل بين الكشف والغرق أو الموت زمان وهو زمان النكث فينبغي أن يكون التقدير على هذا إلى أقرب أجل هم بالغوه أما إذا كان الأجل هو المدة المضروبة لإيمانهم وإرسالهم بني إسرائيل فلا يحتاج إلى حذف مضاف و﴿إِلَى أَجَلٍ﴾ قالوا متعلق ولا يمكن حمله على التعلق به لأن ما دخلت عليه لما ترتب جوابه على ابتداء وقوعه والغاية تنافي التعليق على ابتداء الوقوع فلا بدّ من تعقل الابتداء والاستمرار حتى تتحقق الغاية ولذلك لا تصحّ الغاية في الفعل عن المتطاول لا تقول لما قتلت زيداً إلى يوم الخميس جرى كذا ولا لما وثبت إلى يوم الجمعة اتفق كذا وجعل بعضهم إلى أجل من تمام الرجز أي الرّجز كائناً إلى أجل والمعنى أنّ العذاب كان مؤجلاً ويقوي هذا التأويل كون جواب لما جاء بإذا الفجائية أي فلما كشفنا عنهم العذاب المقرر عليهم ﴿أَخَّرْتَنِى إِلَى أَجَلٍ﴾ فاجأوا بالنكث وعلى معنى تعيينه الكشف بالأجل المبلوغ لا تتأتى المفاجأة إلى على تأويل الكشف بالاستمرار المغيا، فتكون المفاجأة بالنكث إذ ذاك ممكنة، وقال الزمخشري :﴿إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ﴾ جواب لما يغيا فلما كشفا عنهم فاجأوا النكث وبادروه ولم يؤخّروه ولكن لما كشف عنهم نكثوا انتهى، ولا يمكن التغيية مع ظاهر هذا التقدير وهم بالغوه جملة في موضع الصفة لأجل وهي أفخم من الوصف بالمفرد لتكرر الضمير فليس في حسن التركيب كالمفرد لو قيل في غير القرآن إلى أجل بالغيه ومجيء إذا الفجائية جواباً للما مما يدل على أن لما حرف وجوب لوجوب كما يقول سيبويه لا ظرف كما زعم بعضهم لافتقاره إلى عامل فيه والكلام تام لا يحتمل إضماراً ولا يعمل ما بعد إذا الفجائية فيما قبلها، وقرأ أبو هاشم وأبو حيوة ﴿يَنكُثُونَ﴾ بكسر الكاف.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٦٢
﴿فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَـاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِـاَايَـاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَـافِلِينَ﴾ أي أحللنا بهم النقمة وهي ضدّ النعمة فإن كان الانتقام هو الإغراق فتكون الفاء تفسيرية وذلك على رأي من أثبت هذا المعنى للفاء وإلا كان المعنى فأردنا الانتقام منهم والباء في ﴿بِأَنَّهُمْ﴾ سببية والآيات هي المعجزات التي ظهرت على يد موسى عليه السلام والظاهر عود الضمير في ﴿عَنْهَا﴾ إلى الآيات أي غفلوا عما تضمنته الآيات من الهدى والنجاة وما فكروا فيها وتلك الغفلة هي سبب التكذيب، وقيل يعود الضمير على النقمة الدالّ عليها ﴿فَانتَقَمْنَا﴾ أي كانوا عن النقمة وحلولها
٣٧٥
بهم غافلين والغفلة في القول الأول عنى به الإعراض عن الشيء لأنّ الغفلة عنه والتكذيب لا يجتمعان من حيث أن الغفلة تستدعي عدم الشعور بالشيء والتكذيب به يستدعي معرفته ولأنه لو أريد صفة الغفلة لكانوا معذورين لأنّ تلك ليست باختيار العبد.
﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَـارِقَ الارْضِ وَمَغَـارِبَهَا الَّتِى بَـارَكْنَا فِيهَا ﴾ لما قال موسى عليه السلام ﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِى الارْضِ﴾ كان كما ترجى موسى فأغرق أعداءهم في اليم واستخلف بني إسرائيل في الأرض ﴿الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ﴾ هم بنو إسرائيل كان فرعون يستعبدهم ويستخدمهم والاستضعاف طلب الضعيف بالقهر كثر استعماله حتى قيل استضعفه أي وجده ضعيفاً ﴿مَشَـارِقَ الارْضِ وَمَغَـارِبَهَا﴾ قالت فرقة : هي الأرض كلها، قال ابن عطية ذلك على سبيل المجاز لأنه تعالى ملكهم بلاداً كثيرة وأما على الحقيقة فإنه ملك ذريّتهم وهو سليمان بن داود، وقال الحسن أيضاً :﴿مَشَـارِقَ الارْضِ﴾ الشام ﴿وَمَغَـارِبَهَا﴾ ديار مصر ملكهم الله إياها بإهلاك الفراعنة والعمالقة وقاله الزمخشري قال : وتصرفوا فيها كيف شاؤوا في أطرافها ونواحيها الشرقية والغربية، وقال الحسن أيضاً وقتادة وغيرهما : هي أرض الشام، وفي كتاب النقاش عن الحسن : أرض مصر والبركة فيها بالماء والشجر قاله ابن عباس وذيله غيره فقال بالخصب والأنهار وكثرة الأشجار وطيب الثمار، وقيل : البركة بإقدام الأنبياء وكثرة مقامهم بها ودفنهم فيها وهذا يتخرج على من قال أرض الشام، وقيل :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٦٢