﴿ثَلَـاثِينَ﴾ على أنه مفعول ثان على حذف مضاف فقدره أبو البقاء إتيان ثلاثين أو تمام ثلاثين، وقال ابن عطية نصب على تقدير جلناه أو مناجاة ثلاثين وليست منتصبة على الظرف والهاء في ﴿لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَـاهَا﴾ عائدة على المواعدة المفهومة من ﴿وَعَدَنَا﴾، وقال الحوفي الهاء والألف نصب باتممناها وهما راجعتان إلى ﴿ثَلَـاثِينَ﴾ ولا يظهر لأنّ الثلاثين لم تكن ناقصة فتممت بعشر وحذف مميز عشر أي عشر ليال لدلالة ما قبله عليه وفي مصحف أبي وتممناها مشدّداً والميقات ما وقت له من الوقت وضربه له وجاء بلفظ ربه ولم يأتِ على ﴿وَعَدَنَا﴾ فكان يكون للتركيب قتمّ ميقاتنا لأن لفظ ﴿رَبَّهُ﴾ دالّ على أنه مصلحة وناظر في أمره ومالكه والمتصرف فيه، قيل : والفرق بين الميقات والوقت أنّ الميقات ما قدر فيه عمل من الأعمال والوقت وقت الشيء وانتصب ﴿أَرْبَعِينَ﴾ على الحال قاله الزمخشري، الحال فيه فقال أتى ب(تم) بالغاً هذا العدد فعلى هذا لا يكون الحال ﴿أَرْبَعِينَ﴾ بل الحال هذا المحذوف فينا في قوله ليلة نصب على الحال
٣٨٠
وقال ابن عطية أيضاً ويصح أن يكون أربعين ظرفاً من حيث هي عدد أزمنة، وقيل ﴿وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ﴾ مفعول به بتمّ لأن معناه بلغ والذي يظهر أنه تمييز محول من الفاعل وأصله فتم أربعون ميقات ربه أي كملت ثم أسند التمام لميقات وانتصب أربعون على التمييز والذي يظهر أن هذه الجملة تأكيد وإيضاح، وقيل : فائدتها إزالة توهم العشر من الثلاثين لأنه يحتمل إتمامها بعشر من الثلاثين، وقيل : إزالة توهم أن تكون عشر ساعات أي أتممناها بعشر ساعات.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٧٩
﴿وَقَالَ مُوسَى لاخِيهِ هَـارُونَ اخْلُفْنِى فِى قَوْمِى وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ وقرء شاذاً ﴿هَـارُونَ﴾ بالضم على النداء أي يا هارون أمره حين أراد المضي للمناجاة والمغيب فيها أن يكون خليفته في قومه وأن يصلح في نفسه أو ما يجب أن يصلح من أمر قومه ونهاه أن يتبع سبيل من أفسد وفي النهي دليل على وجود المفسدين ولذلك نهاه عن اتباع سبيلهم وأمره إياه بالصلاح ونهيه عن اتباع سبيل المفسدين هو على سبيل التأكيد لا لتوهّم أنه يقع منه خلاف الإصلاح واتباع تلك السبيل لأن منصب النبوّة منزّه عن ذلك ومعنى ﴿اخْلُفْنِى﴾ استبد بالأمر وذلك في حياته إذ راح إلى مناجاة ربه وليس المعنى أنك تكون خليفتي بعد موتي ألا ترى أن هارون عليه السلام مات قبل موسى عليهما السلام، وليس في قول الرسول صلى الله عليه وسلّم لعليّ "أنت مني كهارون من موسى" دليل على أنه خليفته بعد موته إذ لم يكن هارون خليفة بعد موت موسى وإنما استخلف الرسول عليًّا على أهل بيته إذ سافر الرسول عليه السلام في بعض مغازيه كما استخلف ابن أم مكتوم على المدينة فلم يكن في ذلك دليل على أنه يكون خليفة بعد موت الرسول. ﴿وَلَمَّا جَآءَ مُوسَى لِمِيقَـاتِنَا وَكَلَّمَه رَبُّهُ﴾ أي للوقت الذي ضربه له أي لتمام الأربعين كما تقول أتيته لعشر خلون من الشهر ومعنى اللام الاختصاص والجمهور على أنه وحده خصّ بالتكليم إذ جاء للميقات، وقال القاضي : سمع هو والسبعون كلام الله، قال ابن عطية : خلق له إدراكاً سمع به الكلام القائم بالذات القديمة الذي هو صفة ذات، وقال ابن عباس وابن جبير : أدنى الله تعالى موسى حتى سمع صريف الأقلام في اللوح المحفوظ وقال الزمخشري :﴿وَكَلَّمَه رَبُّهُ﴾ من غير واسطة كما يكلم الملك وتكليمه أنْ يخلق الكلام منظوقاً به في بعض الأجرام كما خلقه محفوظاً في اللوح وروي أن موسى كان يسمع الكلام في كل جهة، وعن ابن عباس كلمة أربعين يوماً وأربعين ليلة وكتب له الألواح، وقيل : إنما كلمة في أول الأربعين انتهى، وقال وهب كلمه في ألف مقام وعلى أثر كل مقام يرى نور على وجهه ثلاثة أيام ولم يقرب النساء مذ كلّمه الله وقد أوردوا هنا الخلاف الذي في كلام الله وهو مذكور ودلائل المختلفين مذكور في كتب أصول الدين وكلّمه معطوف على جاء، وقيل حال وعدل عن قوله وكلمناه إلى قوله
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٧٩
﴿وَكَلَّمَهُ﴾ ربه
٣٨١