﴿وَلَـاكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَه فَسَوْفَ تَرَانِى ﴾ قال مجاهد وغيره : ولكن سأتجلى للجبل الذي هو أقوى منك وأشدّ فإن استقرّ وأطاق الصبر لهيبتي فسيمكنك أنت رؤيتي، قال ابن عطية : فعلى هذا إنما جعل الله له الجبل مثالاً، وقالت فرقة : إنما المعنى سأبتدىء لك على الجبل فإن استقرّ لعظمتي فسوف تراني انتهى، وتعليق الرؤية على تقدير الاستقرار مؤذن بعدمها إن لم يستقر ونبّه بذلك على أنّ الجبل مع شدته وصلابته إذا لم يستقر فالآدمي مع ضعف بنيته أولى بأن لا يستقرّ وهذا تسكين لقلب موسى وتخفيف عنه من ثقل أعباء المنع. وقال الزمخشري :(فإن قلت) : كيف اتصل الاستدراك في قوله تعالى ﴿وَلَـاكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ﴾ بما قبله، (قلت) : تصل به على معنى أنّ النظر إليّ محال فلا تطلبه ولكن عليك بنظر آخر وهو أن تنظر إلى الجبل الذي يرجف بك وبمن طلب الرؤية لأجلهم كيف أفعل به وكيف أجعله دكًّا بسبب طلبك للرؤية لتستعظم ما أقدمت عيه بما أريك من عظيم أثره كأنه عز وعلا حقّق عند طلب الرؤية ما مثله عند نسبة الولد إليه في قوله تعالى ﴿تَكَادُ السَّمَـاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الارْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـانِ وَلَدًا﴾ ﴿فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ﴾ كما كان مستقراً ثابتاً ذاهباً في جهانه ﴿فَسَوْفَ تَرَانِى ﴾ تعريض لوجود الرؤية لوجود ما لا يكون من استقرار الجبل مكانه حتى يدكّه دكًّا ويسوّيه بالأرض وهذا كلام مدمج بعضه في بعض وأولاد على أسلوب عجيب ونظم بديع ألا ترى كيف تخلص من النظر إلى النظر بكلمة الاستدراك ثم كيف ثنّى بالوعيد بالرّجفة الكائنة بسبب طلب النظر على الشريطة في وجود الرؤية أعني قوله ﴿فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَه فَسَوْفَ تَرَانِى ﴾ انتهى وهو على طريقة المعتزلة في نفي رؤية الله تعالى، ولهم في ذلك أقاويل أربعة : أحدها : ما رووا عن الحسن وغيره أن موسى ما عرف أن الرؤية غير جائزة وهو عارف بعدله وبربه وبتوحيده فلم يبعد أن يكون العلم بامتناع الرؤية وجوازها موقوفاً على السماع ورد ذلك وبأنه يلزم أن تكون معرفته بالله أقل درجة من معرفة أرذال المعتزلة وذلك باطل بالإجماع، الثاني : قال الجبائي وابنه أبو هاشم : سأل الرؤية على لسان قومه فقد كانوا مكثرين للمسألة عنها لا لنفسه فلما منع ظهر أن لا سبيل إليها وردّ بأنه لو كان كذلك لقال أرهم ينظروا إليك ولقيل لن تروني وأيضاً لو كان محالاً لمنعهم عنه كما منعهم عن جعل الآلهة لهم بقوله إنكم قوم تجهلون، وقال الكعبي سأله الآيات الباهرة التي عندها تزول الخواطر والوساوس عن معرفته كما تقول في معرفة أهل الآخرة، وردّ ذلك بأنه يقتضي حذف مضاف وسياق الكلام يأبى ذلك فقد أراه من الآيات ما لا غاية بعدها كالعصا وغيرها، وقال الأصمّ المقصود أن يذكر من الدلائل السمعية ما يدل على امتناع الرؤية حتى يتأكد الدليل العقلي بالدليل السمعي وأل في الجبل للعهد وهو أعظم جبل بمدين يقال له ارريين قال ابن عباس تطاولت الجبال للتجلي وتواضع ارريين فتجلّى له.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٧٩
٣٨٣
التجلي الظهور. الدّك مصدر دككت الشيء فتتة وسحقته مصدر في معنى المفعول والدّك والدقّ بمعنى واحد وقال يزدكاً مستوياً مع الأرض. الخرور السقوط. أفاق ثاب إليه حسّه وعقله. اللوح معروف وهو يعد للكتابة وغيرها وأصله اللمع تلمع وتلوح فيه الأشياء المكتوبة. الحلى معروف وهو ما يتزين به النساء من فضة وذهب وجوهر وغير ذلك من الحجر النفيس. الخوار صوت البقرة. الأسف الحزن يقال أسف يأسف. الجرّ الجذب. الإشمات السرور بما ينال الشخص من المكروه. السكوت والسكات الصمت.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٨٣


الصفحة التالية
Icon