﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَواةَ وَمِمَّا رَزَقْنَـاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ الأحسن أن يكون ﴿الَّذِينَ﴾ صفة للذين السابقة حتى تدخل في حيّز الجزئية فيكون ذلك إخباراً عن المؤمنين بثلاث الصفة القلبية وعنهم بالصفة البدنية والصفة المالية وجمع أفعال القلوب لأنها أشرف وجمع في أفعال الجوارح بين الصلاة والصدقة لأنهما عموداً أفعال وأجاز الحوفي والبريزي أن يكون ﴿الَّذِينَ﴾ بدلاً من الذين وأن يكون خبر مبتدأ محذوف أي هم الذين والظاهر أن قوله و﴿وَمِمَّا رَزَقْنَـاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ عام في الزكاة ونوافل الصدقات وصلات الرحم وغير ذلك من المبار المالية، وقد خصّ ذلك جماعة من المفسرين بالزكاة لاقترانها بالصلاة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٥٤
﴿أُوالَئاِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ﴾ قال ابن عطيّة ﴿حَقًّا ﴾ مصدر مؤكد كذا نص عليه سيبويه وهو المصدر غير المنتقل والعامل فيه أحقّ ذلك حقاً انتهى، ومعنى ذلك أنه تأكيد لما تضمنته الجملة من الإسناد الخبري وأنه لا مجاز في ذلك الإسناد. وقال الزمخشري حقاً صفة للمصدر المحذوف أي أولئك هم المؤمنون إيماناً حقًّا وهو مصدر مؤكد للجملة التي هي أولئك هم المؤمنون كقوله هو عبد الله حقاً أي حقّ ذلك حقاً. وعن الحسن أنه سأله رجل أمؤمن أنت قال : الإيمان إيمانان فإن كانت تسألني عن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والجنة والنار والبعث والحساب، فأنا مؤمن، وإن كنت تسألني عن قوله إنما المؤمنون فوالله لا أدري أمنهم أنا أم لا وأبعد من زعم أن الكلام ثم عند قوله أولئك هم المؤمنون وأنّ حقاً متعلق بما بعده أي حقاً لهم درجات وهذا لأنّ انتصابَ حقاً على هذا التقدير يكون عن تمام جملة الابتداء بمكان التأخير عنها لأنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة فلا يجوز تقديمه وقد أجازه بعضهم وهو ضعيف.
﴿لَّهُمْ دَرَجَـاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ لما تقدمت ثلاث صفات قلبية وبدنية ومالية ترتّب عليها ثلاثة أشياء فقوبلت الأعمال القلبية بالدرجات، والبدنية بالغفران، وفي الحديث أن رجلاً أتى من امرأة أجنبية ما يأتيه الرجل من أهله غير الوطء، فسأله الرسول صلى الله عليه وسلّم لما أخبر بذلك أصلّيت معنا فقال نعم فقال له : غفر الله لك وقوبلت المالية بالرزق بالكريم وهذا النوع من المقابلة من بديع علم البيان. وقال ابن عطية والجمهور : إنّ المراد مراتب الجنة ومنازلها ودرجاتها على قدر أعمالهم، وحكى الطبري عن مجاهد أنها درجات أعمال الدنيا وقوله ورزق كريم يريد به مآكل الجنة ومشاربها وكريم صفة تقتضي رفع المقام كقوله ثوب كريم وحسب كريم، وقال الزمخشري درجات شرف وكرامة وعلوّ منزلة ومغفرة وتجاوز لسيئاتهم ورزق كريم ونعيم الجنة منافع حسنة دائمة على سبيل التعظيم وهذا معنى الثواب انتهى. وقال عطاء درجات الجنة يرتقونها بأعمالهم، وقال الربيع بن أنس سبعون درجة ما بين كل درجتين حضر الفرس
٤٥٨
المضمر سبعين سنة وقيل مراتب ومنازل في الجنة بعضها على بعض، وفي الحديث أنّ أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف كما يتراءى الكوكب الدرّيّ وثلاثة الأقوال هذه تدل على أنه أريد الدرجات حقيقة وعن مجاهد درجات أعمال رفيعة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٥٤
﴿كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنا بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَـارِهُونَ * يُجَـادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ﴾ اضطرب المفسرون في قوله ﴿كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنا بَيْتِكَ بِالْحَقِّ﴾ واختلفوا على خمسة عشر قولاً. أحدها أن الكاف بمعنى واو القسم وما بمعنى الذي واقعة على ذي العلم وهو الله كما وقعت في قوله وما خلق الذكر والأنثى وجواب القسم يجادلونك، والتقدير والله الذي أخرجك من بيتك يجادلونك في الحق قاله أبو عبيدة وكان ضعيفاً في علم النحو، وقال الكرماني هذا سهو، وقال
٤٥٩


الصفحة التالية
Icon