جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٧٣
﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾. أنظر إلى حُسن مساق هاتين
٤٨٩
الجملتين لما كانت كينونته فيهم سبباً لانتفاء تعذيبهم أكّد خبر كان باللام على رأي الكوفيين أو جعل خبر كان الإرادة المنفية على رأي البصريين وانتفاء الإرادة للعذاب أبلغ من انتفاء العذاب ولما كان استغفارهم دون تلك الكينونة الشريفة لم يؤكد باللام بل جاء خبر كان قوله معذبهم، فشتّان ما بين استغفارهم وكينونته صلى الله عليه وسلّم فيهم والظاهر أن هذه الضمائر كلها في الجمل عائدة على الكفار وهو قول قتادة، وقال ابن عباس وابن أبزي وأبو مالك والضحاك ما مقتضاه : إن الضمير في قوله معذّبهم عائد على كفار مكة والضمير في قوله وهم عائد على المؤمنين الذين بقوا بعد الرسول صلى الله عليه وسلّم بمكة أي وما كان الله ليعذب الكفار والمؤمنون بينهم يستغفرون، قال ابن عطية : ويدفع في صدر هذا القول أنّ المؤمنين الذين ردّ الضمير إليهم لم يجر لهم ذكر، وقال ابن عباس أيضاً ما مقتضاه إنّ الضمير بن عائدان على الكفار وكانوا يقولون في دعائهم غفرانك ويقولون لبّيك لا شريك لك ونحو هذا مما هو دعاء واستغفار فجعله الله أمنة من عذاب الدنيا على هذا تركب قول أبي موسى الأشعري وابن عباس إنّ الله جعل من عذاب الدنيا أمنتين كون الرسول صلى الله عليه وسلّم مع الناس والاستغفار فارتفعت الواحدة وبقي الاستفغار إلى يوم القيامة، وقال الزّجاج وحكى عن ابن عباس وهم يستغفرون عائد على الكفار والمراد به من سبق له في علم الله أن يسلم ويستغفر فالمعنى وما كان الله ليعذب الكفار ومنهم من يستغفر ويؤمن في ثاني حال، وقال مجاهد وهم يستغفرون أي وذريتهم يستغفرون ويؤمنون فأسند إليهم إذ ذريتهم منهم والاستغفار طلب الغفران، وقال الضحّاك ومجاهد : معنى يستغفرون يصلون، وقال عكرمة ومجاهد أيضاً : يسلمون وظاهر قوله وهم يستغفرون أنهم ملتبسون بالاستغفار أي هم يستغفرون فلا يعذّبون كما أن الرسول فيهم فلا يعذبون فكلا الحالين موجود كون الرسول فيهم واستغفارهم، وقال الزمخشري وهم يستغفرون في موضع الحال ومعناه نفي الاستغفار عنهم أي ولو كانوا ممن يؤمن ويستغفر من الكفر لما عذبهم كقوله تعالى ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ ولكنهم لا يستغفرون ولا يؤمنون ولا يتوقع ذلك منهم انتهى، وما قاله تقدّمه إليه غيره، فقال : المعنى وهم بحال توبة واستغفار من كفرهم أن لو وقع ذلك منهم، واختاره الطبري وهو مرويّ عن قتادة وابن زيد.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٧٣
﴿يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَآءَهُا إِنْ أَوْلِيَآؤُهُا إِلا الْمُتَّقُونَ وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾. الظاهر أن ما استفهامية أي أيّ شيء لهم في انتفاء العذاب وهو استفهام معناه التقرير أي كيف لا يعذبون وهم متّصفون بهذه الحالة المتقضية للعذاب وهي صدّهم المؤمنين عن المسجد الحرام وليسوا بولاة البيت ولا متأهّلين لولابته ومن صدّهم ما فعلوا بالرسول صلى الله عليه وسلّم عام الحديبية وإخراجه مع المؤمنين داخل في الصدّ كانوا يقولون نحن ولاة البيت نصدّ من نشاء وندخل من نشاء وأنْ مصدرية، وقال الأخفش : هي زائدة، قال النّحّاس : لو كان كما قال لرفع تعذيبهم انتهى، فكان يكون الفعل في موضع الحال كقوله : وما لنا لا نؤمن بالله وموضع إن نصب أو جر على الخلاف إذ حذف منه اني وهي تتعلق بما تعلّق به لهم أي أيّ شيء كائن أو مستقرّ لهم في أن لا يعذبهم الله والمعنى لا حظ لهم في انتفاء العذاب وإذا انتفى ذلك فهم معذبون ولا بدّ وتقدير الطبري وما يمنعهم من أن يعذبوا هو تفسير معنى لا تفسير إعراب وكذلك ينبغي أن يتأوّل كلام ابن عطية أنّ التقدير وما قدرتهم ونحوه من الأفعال موجب أن يكون في موضع نصب والظاهر عود الضمير في أولياءه على المسجد لقربه وصحّة المعنى، وقيل ما للنفي فيكون إخباراً أي وليس
٤٩٠


الصفحة التالية
Icon