لهم أن لا يعذبهم الله أي ليس ينتفي العذاب عنم مع تلبّسهم بهذه الحال، وقيل الضمير في أولياءه عائد على الله تعالى، وروي عن الحسن والظاهر أن قوله وما كانوا أولياءه استئناف إخبار أي وما استحقوا أن يكونوا ولاة أمره إن أولياؤه إلا المتقون أي المتقون للشرك وقال الزمخشري : إلا المتقون من المسلمين ليس كل مسلم أيضاً ممن يصلح أن يلي أمره إنما يستأهل ولايته من كان براً تقياً فكيف عبدة الأصنام انتهى ؟ ويجوز أن يكون وما كانوا أولياءه معطوفاً على وهم يصدّون فيكون حالاً والمعنى كيف لا يعذبهم الله وهم متّصفون بهذين الوصفين صدّهم عن المسجد الحرام وانتفاء كونهم أولياءه أو أولياءه أي أولياء المسجد أي ليسوا ولاته فلا ينبغي أن يصدّوا عنه أو أولياء الله فهو كفار فيكون قد ارتقى من حال إلى أعظم منها وهو كونهم ليسوا مؤمنين فمن كان صادًّا عن المسجد كافراً بالله فهو حقيق بالتعذيب والضمير في أنّ أولياؤه مترتب على ما يعود عليه في قوله : وما كانوا أولياءه واختلفوا في هذا التعذيب فقال قوم : هو الأول إلا أنه كان امتنع بشيئين كون النبي صلى الله عليه وسلّم فيهم واستغفار من بينهم من المؤمنين فلما وقع التمييز بالهجرة وقع بالباقين يوم بدر، وقيل : بل وقع بفتح مكة، وقال قوم : هذا التعذيب غير ذلك فالأوّل : استئصال كلهم فلم يقع لما علم من إسلام بعضهم وإسلام بعض ذراريهم، والثاني : قتل بعضهم يوم بدر، وقال ابن عباس : الأوّل عذاب الدنيا، والثاني : عذاب الآخرة، فالمعنى وما كان الله معذب المشركين لاستغفارهم في الدنيا وما لهم أن لا يعذبهم الله في الآخرة ومتعلّق لا يعلمون محذوف تقديره لا يعلمون أنهم ليسوا أولياءه بل يظنون أنهم أولياؤه والظاهر استدراك الأكثر في انتفاء العلم إذ كان بينهم وفي خلالهم من جنح إلى الإيمان فكان يعلم أن أولئك الصادّين ليسوا أولياء البيت أو أولياء الله فكأنه قيل ولكن أكثرهم أي أكثر المقيمين بمكة لا يعلمون لتخرج منهم العباس وأم الفضل وغيرهما ممن وقع له علم أو إذ كان فيهم من يعلمه وهو يعاند طلباً للرياسة أو أريد بالأكثر الجميع على سبيل المجاز فكأنه قيل ولكنهم لا يعلمون كما قيل : قلما رجل يقول ذلك في معنى النفي المحض وإبقاء الأكثر على ظاهره أولى وكونه أريد به الجميع هو تخريج الزمخشري وابن عطية.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٧٣
﴿وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلا مُكَآءً وَتَصْدِيَةًا فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ﴾. لما نفي عنهم أن يكونوا ولاة البيت ذكر من فعلهم القبيح ما يؤكد ذلك وأنّ من كانت صلاته ما ذكر لا يستأهل أن يكونوا أولياءه فالمعنى والله أعلم أن الذي يقوم مقام صلاتهم هو المكاء والتصدية وضعوا مكان الصلاة والتقرّب إلى الله التصفير والتصفيق كانوا يطوفون غراة، رجالهم ونساؤهم مشبكين بين أصابعهم يصفرون ويصفّقون يفعلون ذلك إذا قرأ الرسول صلى الله عليه وسلّم يخلطون عليه في صلاته ونظير هذا المعنى قولهم كانت عقوبتك عزلتك أي القائم مقام العقوبة هو العزل. وقال الشاعر :
وما كنت أخشى أن يكون عطاؤهأداهم سوداً أو مدحرجة سمرا
أقام مقام العطاء القيود والسّياط كما أقاموا مقام الصلاة المكاء والتصدية، وقال ابن عباس : كان ذلك عبادة في ظنهم، قال ابن عطية لما نفى تعالى ولايتهم للبيت أمكن أن يعترض معترض بأن يقول كيف لا نكون أولياءه ونحن نسكنه ونصلي عنده فقطع الله هذا الاعتراض، وما كان صلاتهم إلا المكاء والتصدية كما يقال الرجل : أنا أفعل الخير، فيقال له : ما فعلك الخير إلا أن تشرب الخمر وتقتل أي هذه عادتك وغايتك قال : والذي مر بي من أمر العرب في غير ما ديوان أنّ المكاء والتصدية كانا من فعل العرب قديماً قبل الإسلام على جهة التقرب والتشرع، وروي عن بعض أقوياء العرب أنه
٤٩١


الصفحة التالية
Icon