﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَه وَلا تَنَـازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُم وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّـابِرِينَ﴾، أمرهم تعالى بالطاعة لله ولرسوله ونهاهم عن التنازع وهو تجاذب الآراء وافتراقها والأظهر أن يكون فتفشلوا جواباً للنهي فهو منصوب ولذلك عطف عليه منصوب لأنه يتسبب عن التنازع الفشل وهو الخور والجبن عن لقاء العدو وذهاب الدولة باستيلاء العدو ويجوز أن يكون فتفشلوا مجزوماً عطفاً على ولا تنازعوا وذلك في قراءة عيسى بن عمر ويذهب بالياء وجزم الباء، وقرأ أبو حيوة وإبان وعصمة عن عاصم ويذهب بالياء ونصب الباء، وقرأ الحسن وابراهيم فتفشِلوا بكسر الشين، قال أبو حاتم : وهذا غير معروف، وقال غيره : هي لغة. قال مجاهد : الريح والنصرة والقوة وذهبت ريح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم حين ناغوه بأحد، وقال الزمخشري : والريح الدّولة شبهت لنفوذ أمرها وتشبيه بالريح وهبوبها، فقيل : هبت رياح فلان إذا دالت له الدولة ونفذ أمره. ومنه قوله :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٩٥
أتنظر إن قليلاً ريث غفلتهمأم تعدوان فإنّ الريح للعادي
انتهى وهو قول أبي عبيدة إن الريح هي الدولة ومن استعارة الريح قول الآخر :
إذا هبت رياحك فاغتنمهافإن لكلّ عاصفة سكونا
ورواه أبو عبيدة ركوداً. وقال شاعر الأنصار :
٥٠٣
قد عودتهم صباهم أن يكون لهمريح القتال وأسلاب الذين لقوا
وقال زيد بن علي ويذهب ريحكم معناه الرّعب من قلوب عدوكم ومنه قيل للخائف انتفخ سحره. قال ابن عطية : وهذا حسن بشرط أن يعلم العدوّ بالتنازع فإذا لم يعلم فالذاهب قوة المتنازعين فينهزمون انتهى، وقال ابن زيد وغيره الريح على بابها وروي في ذلك أن النصر لم يكن قط إلا بريح تهب فتضرب في وجوه الكفار واستند بعضهم في هذه المقالة إلى قوله صلى الله عليه وسلّم نصرت بالصبا، وقال الحكم وتذهب ريحكم يعني الصّبا إذ بها نصر محمد صلى الله عليه وسلّم وأمته، وقال مقاتل ريحكم حدتكم، وقال عطاء جلدكم، وحكى التبريزي هيبتكم، ومنه قول الشاعر :
كما حميناك يوم النّعف من شططوالفضل للقوم من ريح ومن عدد
﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَـارِهِم بَطَرًا وَرِئَآءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾. نزلت في أبي جهل وأصحابه خرجوا النصرة العِير بالقينات والمعازف ووردوا الجحفة فبعث خفاف الكناني وكان صديقاً له بهدايا مع ابنه وقال : إن شئت أمددناك بالرجال وإن شئت بنفسي مع من خفّ من قومي، فقال أبو جهل : إن كنا نقاتل الله كما يزعم محمد فوالله ما لنا بالله طاقة وإن كنا نقاتل الناس فوالله إن بنا على الناس لقوة والله، لا نرجع عن قتال محمد حتى نرد بدراً فنشرب فيها الخمور وتعزف علينا القينات فإنّ بدراً مركز من مراكز العرب وسوق من أسواقهم حتى تسمع العرب مخرجنا فتهابنا آخر الأبد فوردوا بدراً فسقوا كؤوس المنايا مكان الخمر وناحت عليهم النوائح مكان القينات، فنهى الله المؤمنين أن يكون مثل هؤلاء بطرين طربين مرائين بأعمالهم صادين عن سبيل الله، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : اللهم إن قريشاً أقبلت بفخرها وخيلائها تجادل وتكذب رسولك اللهم خاضها الغداة وفي قوله والله بما يعملون محيط وعيد وتهديد لمن بقي من الكفار.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٩٥
﴿وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَـانُ أَعْمَـالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُم فَلَمَّا تَرَآءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ﴾. أعمالهم ما كانوا فيه من الشرك وعبادة الأصنام ومسيرهم إلى بدر وعزمهم على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهذا التزيين والقول والنكوص هل ذلك على سبيل المجاز أو الحقيقة قولان للمفسرين بدأ الزمخشري بالأوّل فقال : وسوس إليهم أنهم لا يغلبون ولا يطاقون وأوهمهم أنّ اتباع خطوات الشيطان وطاعته مما تحبرهم فلما تلاقى الفريقان نكص الشيطان وتبرأ منهم، أي بطل كيده حين نزلت جنود الله وكذا عن الحسن كان ذلك على سبيل الوسوسة ولم يتمثل لهم انتهى، ويكون ذلك من باب مجاز التمثيل، وقال المهدويّ يضعف هذا القول
٥٠٤


الصفحة التالية
Icon