كثرتها وتواليها وفي الأوّل اللام منه الأخذ، وفي الثاني اللازم منه الهلاك والإغراق، وقال الزمخشري في قوله تعالى : بآيات ربهم زيادة دلالة على كفران النعم وجحود الحقّ وفي ذكر الإغراق بيان للأخذ بالذنوب، وقال الكرماني يحتمل أن يكون الضمير في الآية الأولى في كفروا عائداً على قريش وفي الأخيرة في كذّبوا عائد على آل فرعون والذين من قبلهم انتهى، وقيل فأهلكناهم هم الذين أهلكوا يوم بدر فيلزم من هذا القول أن يكون كذّبوا عائداً على كفار قريش، وقال التبريزي فأهلكناهم قوم نوح بالطّوفان وعادا بالريح وثموداً بالصّيحة وقوم لوط بالخسف، وفرعون وآله بالغرق، وقوم شعيب بالظلّة، وقوم داود بالمسخ وأهلك قريشاً وغيرها بعضهم بالفزغ وبعضهم بالسيف وبعضهم بالعدسة كأبي لهب، وبعضهم بالغدة كعامر بن الطّفيل، وبعضهم بالصاعقة كأويد بن قيس انتهى، فيظهر من هذه الكلام أن الضمير في كذّبوا وأهلكناهم عائد على المشبه والمشبه به في كدأب إذ عمّ الضمير القبيلتين وإنما خصّ آل فرعون بالذكر وذكر الذي أهلكوا به وهو إغراقهم لأنه انضم إلى كفرهم دعوى الإلهية والرّبوبية لغير الله تعالى فكان ذلك أشنع الكفر وأفظعه ومراعاة لفظ كلّ إذا حذف ما أضيف إليه ومعناه جائزة واختير هنا مراعاة المعنى لأجل الفواصل إذ لو كان التركيب وكلّ كان ظالماً لم يقع فاصلة، وقال الزمخشري وكلهم من غرقى القبط وقتلى قريش كانوا ظالمين أنفسهم بالكفر والمعاصي انتهى، ولا يظهر تخصيص الزمخشري كلاًّ بغرقى القبط وقتلى قريش إذ الضمير في كذبوا وفي فأهلكناهم لا يختصّ بهما فالذي يظهر عموم المشبه به وهم آل فرعو والذين من قبلهم أو عموم المشبّه والمشبّه بهم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٩٥
﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَآبِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ﴾. نزلت في بني قريظة منهم كعب بن الأشرف وأصحابه عاهدهم الرسول أن لا يمالئوا عليه فنكثوا بأن أعانوا مشركي مكة بالسلاح وقالوا نسينا وأخطأنا ثم عاهدهم فنكثوا مالؤوا معهم يوم الخندق وانطلق كعب بن الأشرف إلى مكة فحالفهم قال البغوي من روى أنه كعب بن الأشرف أخطأ ووهم بل يحتمل أنه كعب بن أسد فإنه كان سيّد قريظة، وقيل : هم بنو قريظة والنضير، وقيل : نفر من قريش من عبد الدّار حكاه التبريزي في تفسيره فهم لا يؤمنون إخبار منه تعالى أنهم لا يؤمنون فلا يمكن أن يقع منهم إيمان، قال ابن عباس شرّ الناس الكفار وشرّ الكفار المصرّون منهم وشرّ المصرّين الناكثون للعهود فأخبر تعالى أنهم جامعون لأنواع الشرّ الذين عاهدت بدل من الذين كفروا قاله الحوفي والزمخشري وأجاز أبو البقاء أن يكون خبر المبتدأ محذوف وضمير الموصول محذوف أي عاهدتهم منهم أي من الذين كفروا، قال ابن عطية : يحتمل أن يكون شرّ الدّواب بثلاثة أوصاف : الكفر والموافاة عليه والمعاهدة مع النقض، والذين على هذا بدل بعض من كلّ ويحتمل أن يكون الذين عاهدت فرقة أو طائفة ثم أخط يصف حال المعاهدين بقوله ثم ينقضون عهدهم في كل مرة انتهى، فعل هذا الاحتمال يكون الذين مبتدأ ويكون الخبر قوله فإما تثقفنهم ودخلت الفاء لتضمن المبتدأ معنى اسم الشرط فكأنه قيل من يعاهد منهم أي من الكفار فإن تظفر بهم فاصنع كذا أو من للتّبعيض لأنّ المعادين بعض الكفار وهي في موضع الحال أي كائنين منهم، وقيل : بمعنى مع، وقيل : الكلام محمول على المعنى أي أخذت منهم العهد فتكون من على هذا التقدير لابتداء الغاية، وقيل : من زائدة أي عاهدتهم وهذه الأقوال الثلاثة ضعيفة وأتى ثم ينقضون بالمضارع تنبيهاً على أنّ من شأنهم نقض العهد مرة بعد مرة تقديره وهم
٥٠٨
لا يتّقون لا يخافون عاقبة العدوّ ولا يبالون بما في نقض العهد من العار واستحقاق النار.