جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٥
قلت) : إما على قوله :﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ على معنى أن الله حقيق بالحمد على ما خلق، لأنه ما خلقه إلا نعمة ﴿ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ فيكفرون نعمه وإما على قوله ﴿خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ﴾ على معنى أنه خلق ما خلق، مما لا يقدر عليه أحد سواه ثم هم يعدلون به ما لا يقدر على شيء منه ؛ انتهى. وهذا الوجه الثاني الذي جوزه لا يجوز، لأنه إذ ذاك يكون معطوفاً على الصلة والمعطوف على الصلة صلة، فلو جعلت الجملة من قوله :﴿ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ صلة لم يصح هذا التركيب لأنه ليس فيها رابط يربط الصلة بالموصول، إلا إن خرج على قولهم أبو سعيد الذي رويت عن الخدري يريد رويت عنه فيكون الظاهر قد وقع موقع المضمر، فكأنه قيل :﴿ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ وهذا من الندور، بحيث لا يقاس عليه ولا يجمل كتاب الله عليه مع ترجيح حمله على التركيب الصحيح الفصيح، ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ الظاهر فيه العموم فيندرج فيه عبدة الأصنام وأهل الكتاب، عبدت النصارى المسيح واليهود عزيراً واتخذوا أحبارهم أرباباً من دون الله والمجوس عبدوا النار والمانوية عبدوا النور، ومن خصص الذين كفروا بالمانوية كقتادة أو بعبدة الأصنام أو بالمجوس حيث قالوا : الموت من أهرمن والحياة من الله، أو بأهل الكتاب كابن أبي أبزى فلا يظهر له دليل على التخصيص والباء في ﴿بِرَبِّهِمْ﴾ يحتمل أن تتعلق بـ﴿يَعْدِلُونَ﴾ وتكون الباء بمعنى عن أي : يعدلون عنه إلى غيره مما لا يخلق ولا يقدر، أو يكون المعنى يعدلون به غيره أي : يسوون به غيره في اتخاذه رباً وإلهاً وفي الخلق والإيجاد وعدل الشيء بالشيء التسوية به، وفي الآية رد على القدرية في قولهم : الخير من الله والشر من الإنسان فعدلوا به غيره في الخلق والإيجاد.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٥
﴿هُوَ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن طِينٍ﴾ ظاهره أنا مخلوقون من طين، وذكر ذلك المهدوي ومكي والزهراوي عن فرقة فالنطفة التي يخلق منها الإنسان أصلها ﴿مِن طِينٍ﴾ ثم يقلبها الله نطفة. قال ابن عطية : وهذا يترتب على قول من يقول : يرجع بعد التولد والاستحالات الكثيرة نطفة وذلك مردود عند الأصوليين ؛ انتهى. وقال النحاس : يجوز أن تكون النطفة خلقها الله ﴿مِن طِينٍ﴾ على الحقيقة ثم قلبها حتى كان الإنسان منها ؛ انتهى. وقد روى أبو نعيم الحافظ عن بريد بن مسعود حديثاً في الخلق آخره :"ويأخذ التراب الذي يدفن في بقعته ويعجن به نطفته"، فذلك قوله تعالى :
٦٩
﴿مِنْهَا خَلَقْنَـاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ﴾ الآية. وخرج عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم :"ما من مولود يولد إلا وقد در عليه من تراب حفرته". وقال أبو عبد الله الرازي ما ملخصه : وعندي فيه وجه آخر وهو أن الإنسان مخلوق من المني ومن دم الطمث المتولدين من الأغذية، والأغذية حيوانية والقول في كيفية تولدها، كالقول في الإنسان أو نباتية فثبت تولد الإنسان من النباتية وهي متولدة ﴿مِنَ الطِّينِ﴾ فكل إنسان متولد. ﴿مِنَ الطِّينِ﴾ وهذا الوجه أقرب إلى الصواب ؛ انتهى. وهذا الذي ذكر أنه عنده وجه آخر وهو أقرب إلى الصواب، هو بسط ما حكاه المفسرون عن فرقة. وقال فيه ابن عطية : هو مردود عند الأصوليين يعني القول : بالتوالد والاستحالات والذي هو مشهور عند المفسرين، أن المخلوق ﴿مِنَ الطِّينِ﴾ هنا هو آدم. قال قتادة ومجاهد والسدي وغيرهم : المعنى خلق آدم ﴿مِن طِينٍ﴾ والبشر من آدم فلذلك قال :﴿خَلَقَكُم مِّن طِينٍ﴾ وذكر ابن سعد في الطبقات عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم :"الناس ولد آدم وآدم من تراب". وقال بعض شعراء الجاهلية :
وإلى عرق الثرى وشجت عروقيوهذا الموت يسلبني شبابي
وفسره الشراح بأن عرق الثرى هو آدم، فعلى هذا يكون التأويل على حذف مضاف إما في ﴿خَلَقَكُمْ﴾ أي خلق أصلكم، وإما في ﴿مِن طِينٍ﴾ أي من عرق طين وفرعه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٥


الصفحة التالية
Icon