على العلم التام فكان في التنبيه على هذه الأوصاف دلالة على كونه تعالى قادراً مختاراً عالماً بالكليات والجزئيات وإبطالاً لشبه منكر المعاد، والظاهر أن ﴿هُوَ﴾ ضمير عائد على ما عادت عليه الضمائر قبله، ﴿وَهُوَ اللَّهُ﴾ وهذا قول الجمهور قاله الكرماني. وقال أبو علي :﴿هُوَ﴾ ضمير الشأن ﴿وَاللَّهُ﴾ مبتدأ خبره ما بعده، والجملة مفسرة لضمير الشأن وإنما فر إلى هذا لأنه إذا لم يكن ضمير الشأن، كان عائداً على الله تعالى فيصير التقدير الله ﴿وَاللَّهُ﴾ فينعقد مبتدأ وخبر من اسمين متحدين لفظاً ومعنى لا نسبة بينهما إسنادية، وذلك لا يجوز فلذلك والله أعلم تأول. أبو علي الآية على أن الضمير ضمير الأمر ﴿وَاللَّهُ﴾ خبره يعلم في ﴿السَّمَـاوَاتِ وَفِى الارْضِ﴾ متعلق بيعلم والتقدير الله يعلم ﴿فِى السَّمَـاوَاتِ وَفِى الارْضِ﴾ ﴿سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ﴾ ذهب الزجاج إلى أن قوله :﴿فِي السَّمَـاوَاتِ﴾ متعلق بما تضمنه اسم الله من المعاني، كما يقال : أمير المؤمنين الخليفة في المشرق والمغرب. قال ابن عطية : وهذا عندي أفضل الأقوال وأكثرها إحرازاً لفصاحة اللفظ وجزالة المعنى وإيضاحه أنه أراد أن يدل على خلقه وإيثار قدرته وإحاطته واستيلائه، ونحو هذه الصفات فجمع هذه كلها في قوله ﴿وَهُوَ اللَّهُ﴾ أي الذي له هذه كلها ﴿فِى السَّمَـاوَاتِ وَفِى الارْضِ﴾ كأنه قال : وهو الخالق الرازق والمحيي المحيط في السموات وفي الأرض كما تقول : زيد السلطان في الشام والعراق، فلو قصدت ذات زيد لقلت محالاً وإذا كان مقصد قولك زيد السلطان الآمر الناهي الناقض المبرم الذي يعزل ويولي في الشام والعراق، فأقمت السلطان مقام هذه كلها كان فصيحاً صحيحاً فكذلك في الآية أقام لفظة ﴿اللَّهِ﴾ مقام تلك الصفات المذكورة ؛ انتهى. وما ذكره الزجاج وأوضحه ابن عطية صحيح من حيث المعنى، لكن صناعة النحو لا تساعد عليه لأنهما زعما أن ﴿فِي السَّمَـاوَاتِ﴾ متعلق بلفظ ﴿اللَّهِ﴾ لما تضمنه من المعاني ولا تعمل تلك المعاني جميعها في اللفظ، لأنه لو صرح بها جميعها لم تعمل فيه بل العمل من حيث اللفظ لواحد منها، وإن كان ﴿فِي السَّمَـاوَاتِ﴾ متعلقاً بها جميعها من حيث المعنى، بل الأولى أن يعمل في المحرور ما تضمنه لفظ ﴿اللَّهِ﴾ من معنى الألوهية وإن كان لفظ ﴿اللَّهِ﴾ علماً لأن الظرف والمجرور قد يعمل فيهما العلم بما تضمنه من المعنى كما قال : أنا أبو المنهال بعض الأحيان. فبعض منصوب بما تضمنه أبو المنهال كأنه قال أنا المشهور بعض الأحيان.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٥
وقال الزمخشري نحواً من هذا قال :﴿فِي السَّمَـاوَاتِ﴾ متعلق بمعنى اسم الله، كأنه قيل : وهو المعبود فيهما ومنه قوله ﴿وَهُوَ الَّذِى فِى السَّمَآءِ إِلَـاهٌ وَفِى الارْضِ إِلَـاهٌ﴾ أي : وهو المعروف بالإلهية أو المتوحد بالإلهية فيها، أو هو الذي يقال له : الله فيها لا يشرك في هذا الاسم ؛ انتهى، فانظر
٧٢
تقاديره كلها كيف قدر العامل واحداً من المعاني لا جميعها، وقالت فرقة ﴿هُوَ﴾ على تقدير صفة حذفت وهي مرادة في المعنى، كأنه قيل : هو الله المعبود ﴿فِى السَّمَـاوَاتِ وَفِى الارْضِ﴾ وقدرها بعضهم وهو الله المدبر ﴿فِى السَّمَـاوَاتِ وَفِى الارْضِ﴾، وقالت فرقة :﴿وَهُوَ اللَّهُ﴾ تم الكلام هنا. ثم استأنف ما بعده وتعلق المجرور بـ﴿يَعْلَمْ﴾ وقالت فرقة :﴿وَهُوَ اللَّهُ﴾ تام و﴿فِى السَّمَـاوَاتِ وَفِى الارْضِ﴾ متعلق بمفعول ﴿يَعْلَمْ﴾ وهو ﴿سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ﴾ والتقدير يعلم سركم وجهركم في السموات وفي الأرض، وهذا يضعف لأن فيه تقديم مفعول المصدر الموصول عليه والعجب من النحاس حيث قال : هذا من أحسن ما قيل فيه، وقالت فرقة : هو ضمير الأمر والله مرفوع على الابتداء وخبره ﴿فِي السَّمَـاوَاتِ﴾ والجملة خبر عن ضمير الأمر وتم الكلام. ثم استأنف فقال :﴿وَفِى الارْضِا يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ﴾ أي : ويعلم في الأرض.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٥