قال النضر بن الحرث وعبد الله بن أبي أمية ونوفل بن خالد : يا محمد لن نؤمن لك حتى تأتينا بكتاب من عند الله ومعه أربعة من الملائكة، يشهدون أنه من عند الله وإنك رسوله ؛ انتهى. والظاهر أن قوله ﴿وَقَالُوا ﴾ استئناف إخبار من الله، حكى عنهم أنهم قالوا ذلك ويحتمل أن يكون معطوفاً على جواب لو أي :﴿لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ ولقالوا ﴿لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ﴾ فلا يكون إذ ذاك هذان القولان المرتبان على تقدير إنزال الكتاب ﴿فِى قِرْطَاسٍ﴾ واقعين، لأن التنزيل لم يقع وكان يكون القول الثاني غاية في التعنت، وقد أشار إلى هذا الاحتمال أبو عبد الله بن أبي الفضل قال : في الكلام حذف تقديره ولو أجبناهم إلى ما سألوا لم يؤمنوا ﴿وَقَالُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ﴾ وظاهر الآية يقتضي أنها في كفار العرب، وذكر بعض الناس أنها في أهل الكتاب والضمير في ﴿عَلَيْهِ﴾ عائد على محمد صلى الله عليه وسلّم، والمعنى ﴿مُلْكُ﴾ نشاهده ويخبرنا عن الله تعالى بنبوته وبصدقه، و﴿لَوْلا﴾ بمعنى هلا للتحضيض وهذا قول من تعنت وأنكر النبوات.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٥
﴿وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِىَ الامْرُ﴾ أي ﴿وَلَوْ أَنزَلْنَا﴾ عليه ﴿مَلَكًا﴾ يشاهدونه لقامت القيامة قاله مجاهد. وقال ابن عباس وقتادة والسدّي : في الكلام حذف تقديره ﴿وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا﴾ فكذبوه ﴿لَقُضِىَ الامْرُ﴾ بعذابهم ولم يؤخروا حسب ما سلف في كل أمة. وقالت فرقة : معنى ﴿لَقُضِىَ الامْرُ﴾ لماتوا من هول رؤية الملك في صورته، ويؤيد هذا التأويل ولو جعلناه ملكاً إلى آخره فإن أهل التأويل مجمعون على أنهم لم يكونوا ليطيقوا رؤية الملك في صورته. وقال ابن عطية : فالأولى في ﴿لَقُضِىَ الامْرُ﴾ أي لماتوا من هول رؤيته. وقال الزمخشري : لقضي أمر إهلاكهم.
﴿ثُمَّ لا يُنظَرُونَ﴾ بعد نزوله طرفة عين إما لأنهم إذا عاينوا الملك قد نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلّم في صورته، وهي أنه لا شيء أبين منها وأيقن، ثم لا يؤمنون كما قال ولو إننا نزلنا إليهم الملائكة لم يكن بد من إهلاكهم كما أهلك أصحاب المائدة، وأما لأنه يزول الاختيار الذي هو قاعدة التكليف عند نزول الملائكة، فيجب إهلاكهم وإما لأنهم إذا شاهدوا ملكاً في صورته زهقت أرواحهم من هول ما يشاهدون ؛ انتهى. والترديد الأول بإما قول ابن عباس، والثالث قول تلك الفرقة، وقوله : كما أهلك أصحاب المائدة، لأنهم عنده كفار وقد تقدّم الكلام فيهم في أواخر سورة العقود، وذكر أبو عبد الله الرازي الأوجه الثلاثة التي ذكرها الزمخشري ببسط فيها. وقال التبريزي في معنى ﴿لَقُضِىَ الامْرُ﴾ قولان : أحدهما : لقامت القيامة لأن الغيب يصير عندها شهادة عياناً. الثاني : الفزع من إهلاكهم لأن السنة الإلهية جارية في إنزال الملائكة بأحد أمرين : الوحي أو الإهلاك، وقد امتنع الأول فيتعين الثاني ؛ انتهى. فعلى هذا القول يكون معنى قوله ﴿وَقَالُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ﴾ أي بإهلاكنا. قال الزمخشري : ومعنى ثم بعدما بين الأمرين قضاء الأمر وعدم الإنظار جعل عدم الإنظار أشد من قضاء الأمر، لأن مفاجأة الشدّة أشد من نفس الشدّة ؛ انتهى.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٥
﴿وَلَوْ جَعَلْنَـاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَـاهُ رَجُلا﴾ أي ولجعلنا الرسول ملكاً، كما اقترحوا، لأنهم كانوا يقولون : لولا أنزل على محمد ملك، وتارة يقولون : ما هذا إلا بشر مثلكم ولو شاء ربنا لأنزل ملائكة، ومعنى ﴿لَّجَعَلْنَـاهُ رَجُلا﴾ أي لصيرناه في صورة رجل، كما كان جبريل ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلّم في غالب الأحوال في صورة دحية، وتارة ظهر له وللصحابة في صورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه أحد من الصحابة، وفي الحديث :"وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً"، وكما تصوّر جبريل لمريم بشراً سوياً والملائكة أضياف إبراهيم وأضياف لوط ومتسوّر والمحراب، فإنهم ظهروا بصورة البشر وإنما كان يكون بصورة رجل، لأن الناس لا طاقة لهم على رؤية الملك في صورته قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن
٧٨


الصفحة التالية
Icon