﴿قُلْ أَىُّ شَىْءٍ أَكْبَرُ شَهَـادَةًا قُلِ اللَّه شَهِيدُا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ﴾ قال المفسرون : سألت قريش شاهداً على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلّم فقالوا : أي دليل يشهد بأن الله يشهد لك ؟ فال : هذا القرآن تحديتكم به فعجزتم عن الإتيان بمثله أو بمثل بعضه، وقال الكلبي : قال رؤساء مكة : يا محمد ما نرى أحداً يصدقك فيما تقول في أمر الرسالة ولقد سألنا اليهود والنصارى عنك فزعموا أن ليس لك عندهم ذكر ولا صفة، فأرنا من يشهد لك أنك رسول الله كما تزعم فأنزل الله هذه
٨٩
الآية. وقيل : سأل المشركون لما نزل ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ﴾ الآية فقالوا : من يشهد لك على أن هذا القرآن منزل من عند الله عليك وأنه لا ضر ولا ينفع إلا الله ؟ فقال الله وهذا القرآن المعجز وأي استفهام والكلام على أقسام أي وعلة إعرابها مذكور في علم النحو وشيء تقدّم الكلام عليه في أوّل سورة البقرة وذكر الخلاف في مدلوله الحقيقي. وقال الزمخشري : الشيء أعم العام لوقوعه على كل ما يصح أن يعلم ويخبر عنه فيقع على القديم والجوهر والعرض والمحال والمستقيم، ولذلك صح أن يقال في الله عز وجل شيء لا كالأشياء كأنك قلت معلوم لا كسائر المعلومات ولا يصح جسم لا كالأجسام وأراد ﴿أَىُّ شَىْءٍ أَكْبَرُ شَهَـادَةً﴾ فوضع شيئاً مكان ﴿شَهِيدٌ﴾ ليبالغ في التعميم ؛ انتهى.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٨٤
وقال ابن عطية : وتتضمن هذه الآية أن الله عز وجل يقال عليه شيء كما يقال عليه موجود ولكن ليس كمثله شيء، وقال غيرهما هنا شيء يقع على القديم والمحدث والجوهر والعرض والمعدوم والموجود ولما كان هذا مقتضاه، جاز إطلاقه على الله عز وجل واتفق الجمهور على ذلك وخالف الجهم وقال : لا يطلق على الله شيء ويجوز أن يسمى ذاتاً وموجوداً وإنما لم يطلق عليه شيء لقوله ﴿خَـالِقُ كُلِّ شَىْءٍ﴾ فيلزم من إطلاق شيء عليه أن يكون خالقاً لنفسه وهو محال ولقوله :﴿وَلِلَّهِ الاسْمَآءُ الْحُسْنَى ﴾ والإسم إنما يحسن لحسن مسماه وهو أن يدل على صفة كمال ونعت جلال ولفظ الشيء أعم الأشياء فيكون حاصلاً في أخس الأشياء وأرذلها، فلا يدل على صفة كمال ولا نعت جلال فوجب أن لا يجوز دعوة الله به لما لم يكن من الأسماء الحسنى، ولتناوله المعدوم لقوله ﴿وَلا تَقُولَنَّ لِشَا ىْءٍ إِنِّى فَاعِلٌ ذَالِكَ غَدًا﴾ فلا يفيد إطلاق شيء عليه امتياز ذاته على سائر الذوات بصفة معلومة ولا بخاصة مميزة، ولا يفيد كونه مطلقاً فوجب أن لا يجوز إطلاقه على الله تعالى ولقوله تعالى :﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِا شَىْءٌ﴾ } وذات كل شيء مثل نفسه نفسه فهذا تصريح بأنه تعالى لا يسمى باسم الشيء ولا يقال الكاف زائدة لأن جعل كلمة من القرآن عبثاً باطلاً لا يليق ولا يصار إليه إلا عند الضرورة الشديدة. وأجيب بأن لفظ شيء أعم الألفاظ ومتى صدق الخاص صدق العامّ فمتى صدق كونه ذاتاً حقيقة وجب أن يصدق كونه شيئاً واحتج الجمهور بهذه الآية وتقريره أن المعنى أي الأشياء أكبر شهادة، ثم جاء في الجواب قل الله وهذا يوجب إطلاق شيء عليه واندراجه في لفظ شيء المراد به العموم ولو قلت أي الناس أفضل ؟ فقيل : جبريل لم يصح لأنه لم يندرج في لفظ الناس، وبقوله تعالى : وذات كل شيء مثل نفسه نفسه فهذا تصريح بأنه تعالى لا يسمى باسم الشيء ولا يقال الكاف زائدة لأن جعل كلمة من القرآن عبثاً باطلاً لا يليق ولا يصار إليه إلا عند الضرورة الشديدة. وأجيب بأن لفظ شيء أعم الألفاظ ومتى صدق الخاص صدق العامّ فمتى صدق كونه ذاتاً حقيقة وجب أن يصدق كونه شيئاً واحتج الجمهور بهذه الآية وتقريره أن المعنى أي الأشياء أكبر شهادة، ثم جاء في الجواب قل الله وهذا يوجب إطلاق شيء عليه واندراجه في لفظ شيء المراد به العموم ولو قلت أي الناس أفضل ؟ فقيل : جبريل لم يصح لأنه لم يندرج في لفظ الناس، وبقوله تعالى :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٨٤


الصفحة التالية
Icon