﴿كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُا﴾ والمراد بوجهه ذاته والمستثنى يجب أن يكون داخلاً تحت المستثنى منه فدل على أنه يطلق عليه شيء ولجهم أن يقول : هذا استثناء منقطع، والدليل الأول لم يصرح فيه بالجواب المطابق إذ قوله :﴿قُلِ اللَّه شَهِيدُا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ﴾ مبتدأ وخبر ذي جملة مستقلة بنفسها لا تعلق لها بما قبلها من جهة الصناعة الإعرابية بل قوله :﴿أَىُّ شَىْءٍ أَكْبَرُ شَهَـادَةً﴾ هو استفهام على جهة التقرير والتوقيف، ثم أخبر بأن خالق الأشياء والشهود هو الشهيد بيني وبينكم وانتظم الكلام من حيث المعنى فالجملة ليست جواباً صناعياً وإنما يتم ما قالوه لو اقتصر على قل الله، وقد ذهب إلى ذلك بعضهم فأعربه مبتدأ محذوف الخبر لدلالة ما تقدم عليه والتقدير قل الله أكبر شهادة ثم أضمر مبتدأ يكون شهيد خبراً له تقديره هو ﴿شَهِيدُا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ﴾ ولا يتعين حمله على هذا، بل هو مرجوح لكونه أضمر فيه آخراً وأولاً والوجه الذي قبله لا إضمار فيه مع صحة معناه فوجب حمل القرآن على الراجح لا على المرجوح. وقال ابن عباس : قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلّم : قل لهم أي شيء أكبر شهادة فإن أجابوك وإلا فقل لهم :﴿اللَّه شَهِيدُا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ﴾. وقال مجاهد : المعنى أن الله قال لنبيه : قل لهم :﴿أَىُّ شَىْءٍ أَكْبَرُ شَهَـادَةً﴾ وقل لهم ﴿اللَّه شَهِيدُا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ﴾ أي في تبليغي وكذبكم وكفركم. وقال ابن عطية : هذه الآية مثل قوله :
٩٠
﴿قُل لِّمَن مَّا فِى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِا قُل لِّلَّهِ﴾ في أن استفهم على جهة التوقيف والتقريز، ثم بادر إلى الجواب إذ لا يتصوّر فيه مدافعة كما تقول لمن تخاصمه وتنظلم منه من أقدر في البلد ؟ ثم تبادر وتقول : السلطان فهو يحول بيننا، فتقدير الآية : قل لهم أيّ شيء أكبر شهادة هو شهيد بيني وبينكم، انتهى. وليست هذه الآية نظير قوله :﴿قُل لِّمَن مَّا فِى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِا قُل لِّلَّهِ﴾ لأن لله يتعين أن يكون جواباً وهنا لا يتعين إذ ينعقد من قوله : قل الله شهيد بيني وبينكم} مبتدأ وخبر وهو الظاهر، وأيضاً ففي هذه الآية لفظ شيء وقد تتوزع في إطلاقه على الله تعالى وفي تلك الآية لفظ من وهو يطلق على الله تعالى. قيل : معنى مبتدأ وخبر وهو الظاهر، وأيضاً ففي هذه الآية لفظ شيء وقد تتوزع في إطلاقه على الله تعالى وفي تلك الآية لفظ من وهو يطلق على الله تعالى. قيل : معنى
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٨٤
﴿أَكْبَرَ﴾ أعظم وأصح، لأنه لا يجري فيها الخطأ ولا السهو ولا الكذب. وقيل : معناها أفضل لأن مراتب الشهادات في التفضيل تتفاوت بمراتب الشاهدين وانتصب شهادة على التمييز. قال ابن عطية : ويصح على المفعول بأن يحمل أكبر على التشبيه بالصفة المشبهة باسم الفاعل ؛ انتهى. وهذا كلام عجيب لأنه لا يصح نصبه على المفعول ولأن أفعل من لا يشتبه بالصفة المشبهة باسم الفاعل، ولا يجوز في أفعل من أن يكون من باب الصفة المشبهة باسم الفاعل لأن شرط الصفة المشبهة باسم الفاعل أن تؤنث وتثنى وتجمع، وأفعل من لا يكون فيها ذلك وهذا منصوص عليه من النحاة فجعل ابن عطية المنصوب في هذا مفعولاً وجعل ﴿أَكْبَرَ﴾ مشبهاً بالصفة المشبهة وجعل منصوبه مفعولاً وهذا تخليط فاحش ولعله يكون من الناسخ لا من المصنف، ومعنى ﴿بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ﴾ بيننا ولكنه لما أضيف إلى ياء المتكلم لم يكن بعد من إعادة بين وهو نظير قوله فأيي ما وأيك كان شرًّا. وكلاي وكلاك ذهب أن معناه فأينا وكلانا.
﴿قُلْ أَىُّ شَىْءٍ أَكْبَرُ شَهَـادَةًا قُلِ اللَّهُ﴾ قرأ الجمهور ﴿وَأُوحِىَ﴾ مبنياً للمفعول والقرآن مرفوع به. وقرأ عكرمة وأبو نهيك وابن السميقع والجحدري ﴿وَأُوحِىَ﴾ مبنياً للفاعل والقرآن منصوب به، والمعنى لأنذركم ولأبشركم فحذف المعطوف لدلالة المعنى عليه أو اقتصر على الإنذار لأنه في مقام تخويف لهؤلاء المكذبين بالرسالة المتخذين غير الله إلهاً، والظاهر وهو قول الجمهور إن ﴿مِنْ﴾ في موضع نصب عطفاً على مفعول ﴿لانذِرَكُم﴾ والعائد على ﴿مِنْ﴾ ضمير منصوب محذوف وفاعل ﴿بَلَغَ﴾ ضمير يعود على القرآن} ومن بلغه هو أي ومن بلغه هو أي ﴿الْقُرْءَانَ﴾ والخطاب في ﴿لانذِرَكُم بِهِ﴾ لأهل مكة. وقال مقاتل : ومن بلغه من العرب والعجم. وقيل : من الثقلين. وقيل : من بلغه إلى يوم القيامة، وعن سعيد بن جبير من بلغه القرآن فكأنما رأى محمداً صلى الله عليه وسلّم، وفي الحديث :"من بلغه هذا القرآن فأنا نذيره، وقالت فرقة : الفاعل بـ﴿بَلَغَ﴾ عائد على ﴿مِنْ﴾ لا على ﴿الْقُرْءَانَ﴾ والمفعول محذوف والتقدير ومن بلغ الحلم، ويحتمل أن يكون ﴿مِنْ﴾ في موضع رفع عطفاً على الضمير المستكن في ﴿لانذِرَكُم بِهِ﴾ وجاز ذلك للفصل بينه وبين الضمير بضمير المفعول وبالجار والمجرور أي ولينذر به من بلغه القرآن.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٨٤


الصفحة التالية
Icon