﴿قُلْ أَىُّ شَىْءٍ أَكْبَرُ شَهَـادَةًا قُلِ اللَّهُ﴾ قرىء ﴿أَاِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ﴾ بصورة الإيجاب فاحتمل أن يكون خبراً محضاً واحتمل
٩١
الاستفهام على تقدير حذف أداته ويبين ذلك قراءة الاستفهام، فقرىء بهمزتين محققتين وبإدخال ألف بينهما وبتسهيل الثانية وبإدخال ألف بين الهمزة الأولى والهمزة المسهلة، روى هذه القراءة الأخيرة الأصمعي عن أبي عمرو ونافع، وهذا الاستفهام معناه التقريع لهم والتوبيخ والإنكار عليهم فإن كان الخطاب لأهل مكة فالآلهة الأصنام فإنهم أصحاب أوثان، وإن كان لجميع المشركين فالآلهة كل ما عبد غير الله تعالى من وثن أو كوكب أو نار أو آدمي وأخرى صفة لآلهة وصفة جمع ما لا يعقل كصفة الواحدة المؤنثة، كقوله :﴿وَلِلَّهِ الاسْمَآءُ الْحُسْنَى ﴾ ولما كانت الآلهة حجارة وخشباً أجريت هذا المجرى.
﴿قُل لا أَشْهَدُا قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـاهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِى بَرِى ءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ﴾ أمره تعالى أن يخبرهم أنه لا يشهد شهادتهم وأمره ثانياً أن يفرد الله تعالى بالإلهية، وأن يتبرأ من إشراكهم وما أبدع هذا الترتيب أمر أولاً بأن يخبرهم بأنه لا يوافقهم في الشهادة ولا يلزم من ذلك إفراد الله بالألوهية فأمر به ثانياً ليجتمع مع انتفاء موافقتهم إثبات الوحدانية لله تعالى، ثم أخبر ثالثاً بالتبرؤ من إشراكهم وهو كالتوكيد لما قبله، ويحتمل أن لا يكون ذلك داخلاً تحت القول ويحتمل وهو الظاهر أن يكون داخلاً تحته فأمر بأن يقول الجملتين، فظاهر الآية يقتضي أنها في عبدة الأصنام وذكر الطبري أنها نزلت في قوم من اليهود وأسند إلى ابن عباس قال جاء النحام بن زيد وقردم بن كعب ومجزىء بن عمرو فقالوا : يا محمد ما تعلم مع الله إلهاً غيره فقال : لا إله إلا الله بذلك أمرت فنزلت الآية فيهم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٨٤
﴿الَّذِينَ ءَاتَيْنَـاهُمُ الْكِتَـابَ يَعْرِفُونَه كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَآءَهُمُا الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ تقدم شرح الجملة الأولى في البقرة وشرح الثانية في هذه السورة من قريب، وقالوا هنا الضمير في ﴿يَعْرِفُونَهُ﴾ عائد على الرسول قاله قتادة والسدي وابن جريج والجمهور، ومنهم عمر بن الخطاب، أو على التوحيد وذلك لقرب قوله :﴿قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـاهٌ وَاحِدٌ﴾ وفيه استشهاد على كفرة قريش والعرب بأهل الكتاب أو على القرآن قاله فرقة لقوله :﴿وَأُوحِىَ إِلَىَّ هذا الْقُرْءَانُ﴾. وقيل يعود على جميع هذه الأشياء من التوحيد والرسول والقرآن، كأنه ذكر أشياء ثم قال أهل الكتاب ﴿يَعْرِفُونَهُ﴾ أي يعرفون ما قلنا وما قصصنا. وقيل : يعود على كتابهم أي : يعرفون كتابهم وفيه ذكر نبوة محمد صلى الله عليه وسلّم. وقيل : يعود على الدين والرسول فالمعنى يعرفون الإسلام أنه دين الله وأن محمد رسول الله و﴿الَّذِينَ ءَاتَيْنَـاهُمُ الْكِتَـابَ﴾ هنا لفظه علم ويراد به الخاص، فإن هذا لا يعرفه ولا يقربه إلا من آمن منهم أو من أنصف و﴿الْكِتَـابِ﴾ التوراة والإنجيل ووحد رداً إلى الجنس. وقيل :﴿الْكِتَـابِ﴾ هنا القرآن والضمير في ﴿يَعْرِفُونَهُ﴾ عائد عليه ذكره الماوردي. وقال أبو عبد الله الرازي ما ملخصه : إن كان المكتوب في التوراة والإنجيل خروج نبي في آخر الزمان فقط، فلا يتعين أن يكون هو محمداً صلى الله عليه وسلّم أو معيناً زمانه ومكانه ونسبه وحليته وشكله، فيكونون إذ ذاك عالمين به بالضرورة ولا يجوز الكذب على الجمع العظيم ولأنا نعلم بالضرورة أن كتابهم لم يشتمل على هذه التفاصيل التامة وعلى هذين التقديرين، فكيف يصح أن يقال :﴿يَعْرِفُونَه كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَآءَهُمُا﴾، وأجاب بأنهم كانوا أهلاً للنظر والاستدلال وكانوا شاهدوا ظهور المعجزات على يد الرسول فعرفوا بالمعجزات كونه رسولاً من عند الله، فالمقصود تشبيه معرفته بمعرفة أبنائهم بهذا القدر الذي ذكرناه ؛ انتهى. ولا يلزم ذلك التقسيم الذي ذكره لأنه لم يقل يعرفونه بالتوراة والإنجيل إنما ذكر ﴿يَعْرِفُونَهُ﴾
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٨٤
فجاز أن تكون هذه المعرفة مسندة إلى التوراة والإنجيل من أخبار أنبيائهم ونصوصهم، فالتفاصيل عندهم من ذلك لا من التوراة والإنجيل فيكون معرفتهم إياه مفصلة واضحة بالأخبار
٩٢


الصفحة التالية
Icon