لا بالنظر في المعجزات ﴿كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَآءَهُمُا﴾ وأيضاً فلا نسلم له حصر التقسيم فيما ذكره لأنه يحتمل قسماً آخر وهو أن يكون التوراة والإنجيل يدلان على خروج نبي في آخر الزمان، وعلى بعض أوصافه لا على جميع الأوصاف التي ذكرت من تعيين زمان ومكان وننسب وحلية وشكل، ويدل على هذا القسم حديث عمر مع عبد الله بن سلام وقوله له : إن الله أنزل على نبيه بمكة إنكم تعرفونه كما تعرفون أبناءكم فكيف هذه المعرفة ؟ فقال عبد الله بن سلام : نعم أعرفه بالصفة التي وصفه الله بها في التوراة ؟ فلا أشك فيه وأما ابني فلا أدري ما أحدثت أمه، ومما يدل أيضاً على أن معرفتهم إياه لا يتعين أن يكون مستندها التوراة والإنجيل فقط، أسئلة عبد الله بن سلام حين اجتمع أول اجتماعه برسول الله صلى الله عليه وسلّم ما أول ما يأكل أهل الجنة ؟ فحين أخبره بجواب تلك الأسئلة أسلم للوقت وعرف أنه الرسول الذي نبه عليه في التوراة، وحديث زيد بن سعنة حين ذكر أنه عرف جميع أوصافه صلى الله عليه وسلّم غير أنه لم يعرف أن حلمه يسبق غضبه فجرب ذلك منه، فوجد هذه الصفة فأسلم وأعرب ﴿الَّذِينَ خَسِرُوا ﴾ مبتدأ والخبر ﴿فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ و﴿الَّذِينَ خَسِرُوا ﴾ على هذا أعم من أهل الكتاب الجاحدين ومن المشركين، والخسران الغبن وروي أن لكل عبد منزلاً في الجنة ومنزلاً في النار، فالمؤمنون ينزلون منازل أهل الكفر في الجنة والكافرون ينزلون منازل أهل الجنة في النار، فالخسارة والربح هنا وجوزوا أن يكون ﴿الَّذِينَ خَسِرُوا ﴾ نعتاً لقوله :﴿الَّذِينَ ءَاتَيْنَـاهُمُ الْكِتَـابَ﴾ و﴿فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ جملة معطوفة على جملة فيكون مساق ﴿الَّذِينَ ءَاتَيْنَـاهُمُ الْكِتَـابَ﴾ مساق الذم لا مقام الاستشهاد بهم على كفار قريش وغيرهم من العرب، قالوا : لأنه لا يصح أن يستشهد بهم ويذموا في آية واحدة. وقال ابن عطية : يصح ذلك لاختلاف ما استشهد فيه بهم وما ذموا فيه وأن الذم والاستشهاد من جهة واحدة ؛ انتهى. ويكون ﴿الَّذِينَ خَسِرُوا ﴾ إذ ذاك ليس عاماً إذ التقدير الذين خسروا أنفسهم منهم أي من أهل الكتاب.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٨٤
﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِـاَايَـاتِهِا إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّـالِمُونَ﴾ تقدم الكلام على ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ﴾ والافتراء الاختلاف، والمعنى لا أحد أظلم ممن كذب على الله أو كذب بآيات الله. قال الزمخشري : جمعوا بين أمرين متناقضين فكذبوا على الله بما لا حجة عليه، وكذبوا بما ثبت بالحجة البينة والبرهان الصحيح حيث قالوا : لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا، وقالوا : والله أمرنا بها، وقالوا : الملائكة بنات الله وهؤلاء شفعاؤنا عند الله ونسبوا إليه تحريم السوائب والبحائر وكذبوا القرآن والمعجزات وسموها سحراً ولم يؤمنوا بالرسول ؛ انتهى. وفيه دسيسة الاعتزال بقوله : حيث قالوا : لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا. وقال ابن عطية : ممن افترى اختلق والمكذب بالآيات مفتري كذب ولكنهما من الكفر فلذلك نصا مفسرين ؛ انتهى. ومعنى ﴿لا يُفْلِحُ الظَّـالِمُونَ﴾ لا يظفرون بمطالبهم في الدنيا والآخرة، بل يبقون في الحرمان والخذلان ونفي الفلاح عن الظالم فدخل فيه الأظلم والظالم غير الأظلم وإذا كان هذا لا يفلح فكيف يفلح الأظلم ؟.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٨٤
﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ قيل :﴿يَوْمٍ﴾ معمول لا ذكر
٩٣


الصفحة التالية
Icon