أي وكل نار، فحذف كل لدلالة ما قبله عليه. والمراد بالشركاء الأنداد من دون الله، أضافهم إليهم إذ هم يجعلونهم شركاء بزعمهم، وأسند الإجماع إلى الشركاء على وجه التهكم كقوله تعالى :﴿قُلِ ادْعُوا شُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ﴾ أو يراد بالشركاء من كان على دينهم وطريقتهم. قال ابن الأنباري : المراد من الأمر هنا وجود كيدهم ومكرهم، فالتقدير : لا تتركوا من أمركم شيئاً إلا أحضرتموه انتهى. وأمره إياهم بإجماع أمرهم دليل على عدم مبالاته بهم ثقة بما وعده ربه من كلاءته وعصمته، ثم لا يكن أمركم عليكم غمة أي حالكم معي وصحبتكم لي غماً، وهما أي : ثم أهلكوني لئلا يكون عيشكم بسببي غصة، وحالكم عليكم غمة. والغم والغمة كالكرب، والكربة قال أبو الهيثم : هو من قولهم غم علينا الهلال فهو مغموم إذا التمس فلم ير. وقال طرفة :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٧٨
لعمرك ما أمري عليّ بغمةنهاري ولا ليلي عليّ بسرمد
١٧٩
وقال الليث : يقال : إنه لفي غمة من أمره إذا لم يتبين له. وقال الزجاج : أمركم ظاهراً مكشوفاً، وحسنه الزمخشري فقال : وقد ذكر القول الأول الذي يراد بالأمر فقال : والثاني أن يراد به ما أريد بالأمر الأول. والغمة السترة، من عمه إذا ستره. ومنه قوله صلى الله عليه وسلّم :"ولا غمة في فرائض الله تعالى" أي لا تستر ولكن يجاهر بها، يعني : ولا يكن قصدكم إلى إهلاكي مستوراً عليكم، بل مكشوفاً مشهوراً تجاهرون به انتهى. ومعنى اقضوا : إلى أنفذوا قضاءكم نحوي، ومفعول اقضوا محذوف أي : اقضوا إليّ ذلك الأمر وامضوا في أنفسكم، واقطعوا ما بيني وبينكم. وقرأ السري بن ينعم : ثم أفضوا بالفاء وقطع الألف، أي : انتهوا إليّ بشركم من أقضى بكذا انتهى إليه. وقيل : معناه أسرعوا. وقيل : من أفضى إذا خرج إلى الفضاء أي : فاصحروا به إليّ وأبرزوه. ومنه قول الشاعر :
أبى الضيم والنعمان تحرق نابهعليه فأفضى والسيوف معاقله
﴿فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍا إِنْ أَجْرِىَ إِلا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَـاهُ وَمَن مَّعَه فِى الْفُلْكِ وَجَعَلْنَـاهُمْ خَلئاِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِـاَايَـاتِنَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ﴾ : أي : فإن دام توليكم عما جئت به إليكم من توحيد الله ورفض آلهتكم فلست أبالي بكم، لأنّ توليكم لا يضرني في خاصتي، ولا قطع عني صلة منكم، إذ ما دعوتكم إليه وذكرتكم به ووعظتكم، لم أسألكم عليه أجراً، إنما يثيبني عليه الله تعالى أي : ما نصحتكم إلا لوجه الله تعالى لا لغرض من أغراض الدنيا، ثم أخبر أنه أمره أن يكون من المسلمين من المنقادين لأمر الله الطائعين له، فكذبوه، فتموا على تكذيبه، وذلك عند مشارفة الهلاك بالطوفان. وفي الفلك متعلق بالاستقرار الذي تعلق به معه، أو بفنجيناه. وجعلناهم جمع ضمير المفعول على معنى من، وخلائف يخلفون الفارقين المهلكين. ثم أمر بالنظر في عاقبة المنذرين بالعذاب، وإلى ما صار إليه حالهم. وفي هذا الإخبار توعد للكفار بمحمد صلى الله عليه وسلّم، وضرب مثال لهم في أنهم بحال هؤلاء من التكذيب فسيكون حالهم كحالهم في التعذيب. والخطاب في فانظر للسامع لهذه القصة، وفي ذلك تعظيم لما جرى عليهم، وتحذير لمن أنذرهم الرسول، وتسلية له صلى الله عليه وسلّم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٧٨
﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِنا بَعْدِهِا رُسُلا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَآءُوهُم بِالْبَيِّنَـاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِا مِن قَبْلُا كَذَالِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ﴾ : من بعده أي : من بعد نوح رسلاً إلى قومهم، يعني هوداً وصالحاً ولوطاً وإبراهيم وشعيباً. والبينات : المعجزات، والبراهين الواضحة المثبتة لما جاؤوا به. وجاء النفي مصحوباً بلام الجحود ليدل على أنّ إيمانهم في حيز الاستحالة والامتناع، والضمير في كذبوا عائد على من عاد عليه ضمير كانوا وهم قوم الرسل. والمعنى : أنهم كانوا قبل بعثة الرسل أهل جاهلية وتكذيب للحق، فتساوت حالتهم قبل البعثة وبعدها، كأن لم يبعث إليهم أحد. ومن قبل متعلق بكذبوا أي : من قبل بعثة الرسل. وقيل : المعنى أنهم بادروا رسلهم بالتكذيب كلما جاء رسول، ثم لحوا في الكفر وتمادوا، فلم يكونوا ليؤمنوا بما سبق به تكذيبهم من قبل لحهم في الكفر وتماديهم. وقال يحيى بن سلام :
١٨٠


الصفحة التالية
Icon