كقولك : أنلزمكم إياها ونحوه، فسيكفيكهم الله، ويجوز فسيكفيك إياهم، وهذا الذي قاله الزمخشري من جواز انفصال الضمير في نحو أنلزمكموها، هو نحو قول ابن مالك في التسهيل. قال : وتختار اتصال نحوها ءأعطيتكه. وقال ابن أبي الربيع : إذا قدمت ما له الرتبة اتصل لا غير، تقول : أعطيتكه. قال تعالى : أنلزمكموها ؟ وفي كتاب سيبويه ما يشهد له، قال سيبويه : فإذا كان المفعولان اللذان تعدّى إليهما فعل الفاعل مخاطباً وغائباً، فبدأت بالمخاطب قبل الغائب، فإنّ علامة الغائب العلامة التي لا يقع موقعها إياه وذلك قولك : أعطيتكه وقد أعطاكه. قال الله تعالى : أنلزمكموها وأنتم لها كارهون، فهذا كهذا، إذا بدأت بالمخاطب قبل الغائب انتهى. فهذا نص من سيبويه على ما قاله ابن أبي الربيع خلافاً للزمخشري وابن مالك ومن سبقهما إلى القول بذلك. وقال الزمخشري : وحكى عن أبي عمرو إسكان الميم، ووجهه أنّ الحركة لم تكن إلا خلسة خفيفة، فظنها الراوي سكوناً. والإسكان الصريح لحن عند الخليل وسيبويه وحذاق البصريين، لأن الحركة الإعرابية لا يسوغ طرحها إلا في ضرورة الشعر انتهى. وأخذه الزمخشري من الزجاج، قال الزجاج : أجمع النحويون البصريون على أنه لا يجوز إسكان حركة الإعراب إلا في ضرورة الشعر، فأما ما روي عن أبي عمرو فلم يضبطه عنه القراء، وروى عنه سيبويه أنه كان يخف الحركة ويختلسها، وهذا هو الحق. وإنما يجوز الإسكان في الشعر نحو قول امرىء القيس :
فاليوم أشرب غير مستحقب
والزمخشري على عادته في تجهيل القراء وهم أجل من أن يلتبس عليهم الاختلاس بالسكون، وقد حكى الكسائي والفراء أنلزمكموها بإسكان الميم الأولى تخفيفاً. قال النحاس : ويجوز على قول يونس أنلزمكمها، كما تقول : أنلزمكم ذلك ويريد إلزام جبر بالقتل ونحوه، وأما إلزام الإيجاب فهو حاصل، وقال النحاس : أنوحيها عليكم، وقوله في ذلك خطأ. قال ابن عطية : وفي قراءة أبيّ بن كعب أنلزمكموها من شطر أنفسنا، ومعناه من تلقاء أنفسنا. وروي عن ابن عباس أنه قرأ ذلك من شطر قلوبنا انتهى. ومعنى شطر نحو، وهذا على جهة التفسير لا على أنه قرآن لمخالفته سواد المصحف.
: تلطف نوح عليه السلام بندائه بقوله : ويا قوم، استدراجاً لهم في قبول كلامه، كما تلطف إبراهيم عليه السلام بقوله وكما تلطف مؤمن آل فرعون بقوله ﴿افْتَرَاهُ وَأَعَانَه عَلَيْهِ قَوْمٌ﴾ والضمير في عليه عائد إلى الإنذار. وإفراد الله بالعبادة المفهوم من قوله لهم :﴿إِنِّى لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ * أَن لا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ إِنِّى ﴾،
٢١٧
وقيل : على الدين، وقيل : على الدعاء إلى التوحيد، وقيل : على تبليغ الرسالة. وكلها أقوال متقاربة، والمعنى : إنكم وهؤلاء الذين اتبعونا سواء في أنّ أدعوكم إلى الله، وإني لا أبتغي عما ألقيه إليكم من شرائع الله مالاً، فلا يتفاوت حالكم وحالهم. وأيضاً فلعلهم ظنوا أنه يريد الاسترفاد منهم، فنفاه بقوله : لا أسألكم عليه مالاً إنْ أجري على الله، فلا تحرموا أنفسكم السعادة الأبدية بتوهم فاسد. ثم ذكر أنه قام بهؤلاء وصف يجب العكوف عليهم به والانضواء معهم، وهو الإيمان فلا يمكن طردهم، وكانوا سألوا منه طرد هؤلاء المؤمنين رفعاً لأنفسهم من مساواة أولئك الفقراء. ونظير هذا ما اقترحت قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلّم من طرد أتباعه الذين لم يكونوا من قريش.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٩٨


الصفحة التالية
Icon