ولما جعل المطر ينزل كأفواه القرب جعلت الوحوش تطلب وسط الأرض هرباً من الماء، حتى اجتمعن عند السفينة فأمره الله أن يحمل من الزوجين اثنين، يعني : ذكراً وأنثى ليبقى أصل النسل بعد الطوفان. فروي أنه كان يأتيه أنواع الحيوان فيضع يمينه على الذكر ويساره على الأنثى، وكانت السفينة ثلاث طبقات : السفلى للوحوش، والوسطى للطعام والشراب، والعليا له ولمن آمن. وأهلك معطوف على زوجين إن نوِّن كل، وعلى اثنين إن أضيف، واستثنى من أهله من سبق عليه القول بالهلاك وأنه من أهل النار. قال الزمخشري : سبق عليه القول أنه يختار الكفر لا لتقديره عليه وإرادته تعالى غير ذلك انتهى. وهو على طريقة الاعتزال، والذي سبق عليه القول امرأته واعلة بالعين المهملة، وابنه كنعان. ومن آمن عطف على وأهلك، قيل : كانوا ثمانين رجلاً وثمانين امرأة، وقيل : كانوا ثلاثة وثمانين. وقال ابن عباس : آمن معه ثمانون رجلاً، وعنه ثمانون إنساناً، ثلاثة من بنيه سام وحام ويافث، وثلاث كنائن له، ولما خرجوا من السفينة بنوا قرية تدعى اليوم قرية الثمانين بناحية الموصل. وقيل : كانوا ثمانية وسبعين، نصفهم رجال، ونصفهم نساء. وقال ابن إسحاق : كانوا عشرة سوى نسائهم : نوح، وبنوه سام وحام ويافث، وستة ناس من كان آمن به وأزواجهم جميعاً. وعن ابن إسحاق : كانوا عشرة : خمسة رجال، وخمس نسوة. وقيل : كانوا تسعة ونوح، وثمانية أبناء له وزوجته. وقيل : كانوا ثمانية ونوح وزوجته غير التي عوقبت، وبنوه الثلاثة وزوجاتهم، وهو قول : قتادة، والحكم، وابن عيينة، وابن جريج، ومحمد بن كعب. وقال الأعمش : كانوا سبعة : نوح، وثلاث كنائن، وثلاث بنين. وهذه أقوال متعارضة، والذي أخبر الله تعالى به أنه ما آمن معه إلا قليل، ولا يمكن التنصيص على عدد هذا النفر القليل الذي أبهم الله عددهم إلا بنص عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٩٨
٢٢٣
رسا الشيء يرسو، ثبت واستقر. قال :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٢٣
فصبرت نفسنا عند ذلك حرةترسو إذا نفس الجبان تطلع
البلع : معروف، والفعل منه بلع بكسر اللام وبفتحها لغتان حكاهما الكسائي والفراء، يبلع بلعاً، والبالوعة الموضع الذي يشرب الماء. الإقلاع : الإمساك، يقال : أقلع المطر، وأقلعت الحمى، أي أمسكت عن المحموم. وقيل : أقلع عن الشيء٠ تركه، وهو قريب من الإمساك. غاض الماء نقص في نفسه، وغضته نقصته، جاء لازماً ومتعدياً. الجودي : علم لجبل بالموصل، ومن قال بالجزيرة أو بآمد، فلأنهما قريبان من الموصل. وقيل الجودي : اسم لكل جبل، ومنه قول زيد بن عمرو بن نفيل :
سبحانه ثم سبحانا نعوذ لهوقبلنا سبح الجودي والجمد
اعتراه بكذا : أصابه به، وقيل افتعل من عراه يعروه. الناصية : منبت الشعر في مقدم الرأس، ويسمى الشعر النابت هناك ناصية باسم منبته. ونصوت الرجل انصوه نصواً، مددت ناصيته. الجبار : المتكبر. العنيد : الطاغي الذي لا يقبل الحق ولا يصغي إليه، من عند يعند حاد عن الحق إلى جانب، وقيل : ومنه عندي كذا أي : في جانبي. وقال أبو عبيدة : العنيد والعنود والمعاند والعاند المعارض بالخلاف، ومنه قيل للعرق الذي ينفجر بالدم : عاند.
﴿ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْاراهَا وَمُرْسَـاهَآا إِنَّ رَبِّى لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَهِىَ تَجْرِى بِهِمْ فِى مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَه وَكَانَ فِى مَعْزِلٍ يَـابُنَىَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلا تَكُن مَّعَ الْكَـافِرِينَ * قَالَ سَـاَاوِى إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِى مِنَ الْمَآءِا قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلا مَن رَّحِمَا وَحَالَ بَيْنَهُمَا﴾ : الضمير في : وقال، عائد على نوح أي : وقال نوح حين أمر بالجمل في السفينة لمن آمن معه ومن أمر بحمله : اركبوا فيها. وقيل : الضمير عائد على الله، والتقدير : وقال الله لنوح ومن معه، ويبعد ذلك قوله : إن ربي لغفور رحيم. قيل : وغلب من يعقل في قوله : اركبوا، وإنْ كانوا قليلاً بالنسبة لما لا يعقل ممن حمل فيها، والظاهر أنه خطاب لمن يعقل خاصة، لأنه لا يليق بما لا يعقل. وعدي اركبوا بفي لتضمينه معنى صيروا فيها، أو معنى ادخلوا فيها. وقيل : التقدير اركبوا الماء فيها. وقيل : في زائدة للتوكيد أي : اركبوها. والباء في بسم الله في موضع الحال، أو
٢٢٤


الصفحة التالية
Icon