قال الزمخشري : ويجوز أن تكون من الحكمة حاكم بمعنى النسبة، كما يقال : دارع من الدرع، وحائض وطالق على مذهب الخليل انتهى. ومعنى ليس من أهلك على قول من قال : إنه ابنه لصلبه أي الناجين، أو الذين عمهم الوعد. ومن زعم أنه ربيبه فهو ليس من أهله حقيقة، إذ لا نسبة بينه وبينه بولادة، فعلى هذا نفي ما قدّر أنه داخل في قوله : وأهلك، ثم علل انتفاء كونه ليس من أهله بأنه عمل غير صالح. والظاهر أنّ الضمير في أنه عائد على ابن نوح لا على النداء المفهوم من قوله : ونادى المتضمن سؤال ربه، وجعله نفس العمل مبالغة في ذمه كما قال : فإنما هي إقبال وإدبار، هذا على قراءة جمهور السبعة. وقرأ الكسائي : عمل غير صالح جعله فعلاً ناصباً غير صالح، وهي قراءة : علي، وأنس، وابن عباس، وعائشة، وروتها عائشة وأم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلّم، وهذا يرجح أن الضمير يعود على ابن نوح. قيل : ويرجح كون الضمير في أنه عائد على نداء نوح المتضمن السؤال أنّ في مصحف ابن مسعود أنه عمل غير صالح إن تسألني ما ليس لك به علم. وقيل : يعود على الضمير في هذه القراءة على ركوب ولد نوح معهم الذي تضمنه سؤال نوح المعنى : أن كونه مع الكافرين وتركه الركوب مع المؤمنين عمل غير صالح، وكون الضمير في أنه عائداً على غير ابن نوح عليه السلام تكلف وتعسف لا يليق بالقرآن. قال الزمخشري :(فإن قلت) : فهلا قيل إنه عمل فاسد ؟ (قلت) : لما نفاه من أهله نفى عنه صفتهم بكلمة النفي التي يستنفي معها لفظ المنفي وأذن بذلك أنه إنما أنجى من أنجى من أهله بصلاحهم، لا لأنهم أهلك وأقاربك، وإن هذا لما انتفي عنه الصلاح لم تنفعه أبوّتك. وقرأ الصاحبان : تسألنّ بتشديد النون مكسورة، وقرأ أبو جعفر وشيبة وزيد بن علي كذلك، إلا أنهم أثبتوا الباء بعد النون، وابن كثر بتشديدها مفتوحة وهي قراءة ابن عباس. وقرأ الحسن وابن أبي مليكة : تسألني من غير همز، من سال يسال، وهما يتساولان، وهي
٢٢٩
لغة سائرة. وقرأ باقي السبعة بالهمز وإسكان اللام وكسر النون وتخفيفها، وأثبت الياء في الوصل ورش وأبو عمرو، وحذفها الباقون. قال الزمخشري : فلا تلتمس ملتمساً أو التماساً لا تعلم أصواب هو أم غير صواب حتى تقف على كنهه، وذكر المسألة دليل على أنّ النداء كان قبل أن يغرق حين خاف عليه. (فإن قلت) : لم سمي نداءه سؤالاً ولا سؤال فيه ؟ (قلت) : قد تضمن دعاؤه معنى السؤال وإن لم يصرح به، لأنه إذا ذكر الموعد بنجاة أهله في وقت مشارفة الغرق فقد استنجز، وجعل سؤال ما لا يعرف كنهه جهلاً وغباوة ووعظه أن لا يعود إليه وإلى أمثاله من أفعال الجاهلين. (فإن قلت) قد وعد الله أن ينجيَ أهله، وما كان عنده أنّ ابنه ليس منهم ديناً، فلما أشفي على الغرق تشابه عليه الأمر، لأنّ العدة قد سبقت له، وقد عرف الله حكيماً لا يجوز عليه فعل القبيح وخلف الميعاد، فطلب إماطة الشبهة وطلب إماطة الشبهة واجب، فلم زجر وجعل سؤاله جهلاً ؟ (قلت) : أن في جملة أهله من هو مستوجب العذاب لكونه غير صالح، وأنّ كلهم ليسوا بناجين، وأنْ لا تخالجه شبهة حين شارف ولده الغرق في أنه من المستثنين لا من المستثنى منهم، فعوتب على أن اشتبه عليه ما يجب بما يجب أن لا يشتبه. وقال ابن عطية : معنى قوله : فلا تسألن ما ليس لك به علم، أي إذ وعدتك فاعلم يقيناً أنه لا خلف في الوعد، فإذا رأيت ولدك لم يحمل فكان الواجب عليك أن تقف وتعلم أنّ ذلك لحق واجب عند الله، ولكنّ نوحاً عليه السلام حملته شفقة البنوة وسجية البشر على التعرض لنفحات الرحمة والتذكير، وعلى هذا القدر وقع عقابه، ولذلك جاء بتلطف وترج في قوله : إني أعظك أن تكون من الجاهلين. ويحتمل قوله : فلا تسألن ما ليس لك به علم، أي : لا تطلب مني أمراً لا تعلم المصلحة فيه علم يقين، ونحا إلى هذا أبو علي الفارسي وقال : إن به يجوز أن يتعلق بلفظ عام كما قال الشاعر :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٢٣
كأن جزائي بالعصا أن أجلدا