﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَـاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـاهٍ غَيْرُهُا إِنْ أَنتُمْ إِلا مُفْتَرُونَ * يَـاقَوْمِ لا أَسْـاَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِىَ إِلا عَلَى الَّذِى فَطَرَنِى أَفَلا تَعْقِلُونَ * وَيَـاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَآءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ﴾ : وإلى عاد أخاهم معطوف على قوله : أرسلنا نوحاً إلى قومه، عطف الواو على المجرور، والمنصوب على المنصوب، كما يعطف المرفوع والمنصوب على المرفوع والمنصوب نحو : ضرب زيد عمراً، وبكر خالداً، وليس من باب الفصل بالجار والمجرور بين حرف العطف والمعطوف نحو : ضربت زيداً، وفي البيت عمراً، فيجيء منه الخلاف الذي بين النحويين : هل يجوز في الكلام، أو يختص بالشعر ؟ وتقدير الكلام في هود وعاد وأخوته منهم في الأعراف، وقراءة الكسائي غيره بالخفض، وقيل : ثم فعل محذوف أي : وأرسلنا إلى عاد أخاهم، فيكون إذ ذاك من عطف الجمل، والأول من عطف المفردات، وهذا أقرب لطول الفصل بالجمل الكثيرة بين المتعاطفين. وهوداً بدل أو عطف بيان. وقرأ محيصن : يا قوم بضم الميم كقراءة حفص : قل رب احكم بالحق بالضم، وهي لغة في المنادي المضاف حكاها سيبويه وغيره، وافتراؤهم قال الحسن : في جعلهم الألوهية لغير الله تعالى. وقال الزمخشري : باتخاذكم الأوثان له شركاء. والضمير في عليه عائد على الدعاء إلى الله، ونبه بقوله : الذي فطرني، على الرد عليهم في عبادتهم الأصنام، واعتقادهم أنها تفعل، وكونه تعالى هو الفاطر للموجودات يستحق إفراده بالعبادة. وأفلا تعقلون توقيف على استحالة الألوهية لغير الفاطر، ويحتمل أن يكون أفلا تعقلون راجعاً إلى أنه إذا لم أطلب عرضاً منكم، وإنما أريد نفعكم فيجب انقيادكم لما فيه نجاتكم، كأنه قيل : أفلا تعقلون نصيحة من لا يطلب عليها أجراً إلا من الله تعالى، وهو ثواب الآخرة، ولا شيء أنفى للتهمة من ذلك. وتقدّم الكلام في ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ﴾ أول هذه السورة قصد هود استمالتهم إلى الإيمان وترغيبهم فيه بكثرة
٢٣٢
المطر وزيادة القوة، لأنهم كانوا أصحاب زورع وبساتين وعمارات حراصاً عليها أشد الحرص، فكانوا أحوج شيء إلى الماء، وكانوا مدلين بما أوتوا من هذه القوة والبطش والبأس مهيئين في كل ناحية. وقيل : أراد القوة في المال، وقيل : في النكاح. قيل : وحبس عنهم المطر ثلاث سنين، وعقمت أرحام نسائهم. وقد انتزع الحسن بن علي رضي الله عنه من هذا ومن قوله : ويمددكم بأموال وبنين، أن كثرة الاستغفار قد يجعله الله سبباً لكثرة الولد. وأجاب من سأله وأخبره أنه ذو مال ولا يولد له بالاستغفار، فأكثر من ذلك فولد له عشر سنين. وروى أبو صالح عن ابن عباس في قوله : ويزدكم قوة إلى قوتكم، أنه الولد وولد الولد. وقال مجاهد وابن زيد : في الجسم والبأس، وقال الضحاك : خصباً إلى خصبكم، وقيل : نعمة إلى نعمته الأولى عليكم، وقيل : قوة في إيمانكم إلى قوة في أبدانكم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٢٣


الصفحة التالية
Icon