وقرأ الجمهور : فإن تولوا أي تتولوا مضارع تولى. وقرأ الأعرج وعيسى الثقفي : تولوا بضم التاء، واللام مضارع وليّ، وقيل : تولوا ماض ويحتاج في الجواب إلى إضمار قول، أي : فقل لهم فقد أبلغتكم، ولا حاجة تدعو إلى جعله ماضياً وإضمار القول. وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون تولوا فعلاً ماضياً، ويكون في الكلام رجوع من غيبة إلى خطاب أي : فقد أبلغتكم انتهى. فلا يحتاج إلى إضمار، والظاهر أنّ الضمير في تولوا عائد على قوم هود، وخطاب لهم من تمام الجمل المقولة قبل. وقال التبريزي : هو عائد على كفار قريش، وهو من تلوين الخطاب، انتقل من خطاب قوم هود إلى الإخبار عمن بحضرة الرسول صلى الله عليه وسلّم، وكأنه قيل : أخبرهم عن قصة قوم هود، وادعهم إلى الإيمان بالله لئلا يصيبهم كما أصاب قوم هود، فإن تولوا فقل لهم : قد أبلغتكم. وجواب الشرط هو قوله : فق أبلغتكم، وصح أن يكون جواباً، لأن في إبلاغه إليهم رسالته تضمن ما يحل بهم من العذاب المستأصل، فكأنه قيل : فإن تتولوا استؤصلتم بالعذاب. ويدل على ذلك الجملة الخبرية وهي قوله : ويستخلف ربي قوماً غيركم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٢٣
وقال الزمخشري :(فإن قلت) : الإبلاغ كان قبل التولي، فكيف وقع جزاء للشرط ؟ (قلت) : معناه فإن تولوا لم أعاقب على تفريط في الإبلاغ، فإنّ ما أرسلت به إليكم قد بلغكم فأبتم إلا تكذيب الرسالة وعداوة الرسول. وقال ابن عطية : المعنى أنه ما عليّ كبيرهم منكم إن توليتم فقد برئت ساحتي بالتبليغ، وأنتم أصحاب الذنب في الإعراض عن الإيمان. وقرأ الجمهور : ويستخلف بضم الفاء على معنى الخبر المستأنف أي : يهلككم ويجيء بقوم آخرين يخلفونكم في دياركم وأموالكم. وقرأ حفص في رواية هبيرة : بجزمها عطفاً على موضع الجزاء، وقرأ عبد الله كذلك، وبجزم ولا تضروه، وقرأ الجمهور : ولا تضرونه أي شيئاً من الضرر بتوليتكم، لأنه تعالى لا تجوز عليه المضار والمنافع. قال ابن عطية : يحتمل من المعنى وجهين : أحدهما : ولا تضرونه بذهابكم وهلاككم شيئاً أي : لا ينقص ملكه، ولا يختل أمره، وعلى هذا
٢٣٤
المعنى قرأ عبد الله بن مسعود ولا تنقصونه شيئاً. والمعنى الآخر : ولا تضرونه أي : ولا تقدرون إذا أهلككم على إضراره بشيء، ولا على انتصار منه، ولا تقابلون فعله بشيء يضره انتهى. وهذا فعل منفي ومدلوله نكرة، فينتفي جميع وجوه الضرر، ولا يتعين واحد منها. ومعنى حفيظ رقيب محيط بالأشياء علماً لا يخفى عليه أعمالكم، ولا يغفل عن مؤاخذتكم، وهو يحفظني مما تكيدونني به.
﴿وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَه بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَـاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ * وَتِلْكَ عَادٌا جَحَدُوا بآيات رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَه وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * وَأُتْبِعُوا فِى هَـاذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَـامَةِا أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُم أَلا بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ﴾ : الأمر واحد الأمور، فيكون كناية عن العذاب، أو عن القضاء بهلاكهم. أو مصدر أمر أي أمرنا للريح أو لخزنتها. والذين آمنوا معه قيل : كانوا أربعة آلاف، قيل : ثلاثة آلاف. والظاهر تعلق برحمة منا بقوله : نجينا أي، نجيناهم بمجرد رحمة من الله لحقتهم، لا بأعمالهم الصالحة. أو كنى بالرحمة عن أعمالهم الصالحة، إذ توفيقهم لها إنما هو بسبب رحمته تعالى إياهم. ويحتمل أن يكون متعلقاً بآمنوا أي : أنّ إيمانهم بالله وبتصديق رسوله إنما هو برحمة الله تعالى إياهم، إذ وفقهم لذلك. وتكررت التنجية على سبيل التوكيد، ولفلق من لو لاصقت منا فأعيدت التنجية وهي الأولى، أو تكون هذه النتيجة هي من عذاب الآخرة ولا عذاب أغلظ منه، فأعيدت لأجل اختلاف متعلقيها.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٢٣


الصفحة التالية
Icon