﴿فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَـالِحًا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَه بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْىِ يَوْمِـاِذٍا إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِىُّ الْعَزِيزُ﴾ : والكلام في جاء أمرنا كالكلام السابق في قصة قوم هود. قيل : الواو زائدة في ومن أي من خزي يومئذ فيتعلق من بنجينا، وهذا لا يجوز عند البصريين، لأن الواو لا تزاد عندهم بل تتعلق من بمحذوف أي : ونجيناهم من خزي، أي وكانت التنجية من خزي يومئذ. وقرأ طلحة وأبان بن تغلب : ومن خزي بالتنوين، ونصب يومئذ على الظرف معمولاً لخزي. وقرأ الجمهور بالإضافة، وفتح الميم نافع والكسائي، وهي فتحة بناء لإضافته إلى إذ، وهو غير متمكن. وقرأ باقي السبعة بكسر الميم وهي حركة إعراب، والتنوين في إذ تنوين عوض من الجملة المحذوفة المتقدمة الذكر أي : ومن فضيحة يوم إذ جاء الأمر وحل بهم. وقال الزمخشري : ويجوز أن يريد بيومئذ يوم القيامة، كما فسر العذاب الغليظ بعذاب الآخرة انتهى. وهذا ليس مجيد، لأن التنوين في إذ تنوين العوض ولم يتقدم إلا قوله، فلما جاء أمرنا ولم تتقدم جملة فيها ذكر يوم القيامة ولا ما يكون فيها، فيكون هذا التنوين عوضاً من الجملة التي تكون في يوم القيامة. وناسب مجيء الأمر وصفه تعالى بالقوي العزيز، فإنهما من صفات الغلبة والقهر والانتقام، والجملة التي بعد هذا تقدم الكلام عليها في الأعراف ألا إن ثمود، منع حمزة وحفص صرفه، وصرفه الباقون، لثمود صرفه الكسائي، ومنعه باقي السبعة.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٣٦
﴿وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَـامًا قَالَ سَلَـامٌا فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ * فَلَمَّا رَءَآ أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةًا قَالُوا لا تَخَفْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَى قَوْمِ لُوطٍ﴾ ﴿وَامْرَأَتُه قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَـاهَا بِإِسْحَـاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَـاقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَـاوَيْلَتَى ءَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَـاذَا بَعْلِى شَيْخًا إِنَّ هذا لَشَىْءٌ عَجِيبٌ * قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَـاتُه عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِا إِنَّه حَمِيدٌ مَّجِيدٌ﴾ تقدم أن ترتيب قصص هذه السورة كترتيب قصص الأعراف، وإنما أدرج شيئاً من أخبار إبراهيم عليه السلام بين قصة صالح ولوط، لأنّ له مدخلاً في قصة لوط، وكان ابراهيم بن خالة لوط. والرسل هنا الملائكة، بشرت إبراهيم بثلاث بشائر : بالولد، وبالخلة، وبإنجاء لوط ومن آمن معه. قيل : كانوا اثنى عشر ملكاً، روى ذلك عن ابن عباس. وقال السدي : أحد عشر، وحكى صاحب الغنيان عشرة منهم جبريل. وقال الضحاك : تسعة، وقال محمد بن كعب : ثمانية، وحكى الماوردي : أربعة، وقال ابن عباس وابن جبير : ثلاثة جبريل، وميكائيل، وإسرافيل. وقال مقاتل : جبريل، وميكائيل، وملك الموت. وروي : أن جبريل عليه السلام كان مختصاً بإهلاك قوم لوط، وميكائيل ببشرى إبراهيم بإسحاق عليهما السلام، وإسرافيل بإنجاء لوط ومن آمن معه. قيل : وكانت الملائكة جرداً مرداً على غاية من الحسن والجمال والبهجة، ولهذا يضرب بهم المثل في الحسن كما قال تعال حكاية عما قيل في يوسف :﴿مَا هذا بَشَرًا إِنْ هَـاذَآ إِلا مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾ وقال الغزي :
قوم إذا قوبلوا كانوا ملائكةحسناً وإن قوتلوا كانوا عفاريتا
وانتصب سلاماً على إضمار الفعل أي : سلمنا عليك سلاماً، فسلاماً قطعه معمولاً للفعل المضمر المحكى بقالوا، قال ابن عطية : ويصح أن يكون سلاماً حكاية لمعنى ما قالوا، لا حكاية للفظهم، قاله : مجاهد، والسدي. ولذلك عمل فيه القول، كما تقول لرجل قال : لا إله إلا الله قلت : حقاً وإخلاصاً، ولو حكيت لفظهم لم يصح أن يعمل فيه القول انتهى. ويعني لم يصح أن يعمل في لفظهم القول، يعني في اللفظ، وإن كان ما لفظوا به في موضع المفعول للقول. وسلام خبر مبتدأ محذوف أي : أمري أو أمركم سلام، أو مبتدأ محذوف الخبر أي : عليكم سلام، والجملة محمية وإن كان حذف منها أحد جزءيها كما قال :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٣٦
إذا ذقت فاهاً قلت طعم مدامة
أي طعمه طعم مدامة.
وقرأ الإخوان قال : سلم، والسلم السلام كحرم وحرام، ومنه قول الشاعر :
مررنا فقلنا ايه سلم فسلمتكما اكتل بالبرق الغمام اللوائح