وهو في أهله وغلمانه. والذين جاؤه ثلاثة، وهي تعهده يغلب الأربعين، وقيل : المائة. وقال قتادة : ضحكت من غفلة قوم لوط وقرب العذاب منهم. وقال السدي : ضحكت من إمساك الأضياف عن الأكل وقالت : عجباً لأضيافنا نخدمهم بأنفسنا، وهم لا يأكلون طعامنا. وقال وهب بن منبه : وروي عن ابن عباس : ضحكت من البشارة بإسحاق، وقال : هذا مقدم بمعنى التأخير. وذكر ابن الأنباري أنّ ضحكها كان سروراً بصدق ظنها، لأنها كانت تقول لابراهيم : اضمم إليك ابن أخيك لوطاً وكان أخاها، فإنه سينزل العذاب بقومه. وقيل : ضحكت لما رأت من المعجز، وهو أنّ الملائكة مسحت العجل الحنيذ فقام حياً يطفر، والذي يظهر والله أعلم أنهم لما لم يأكلوا، وأوجس في نفسه خيفة بعدما نكر حالهم، لحق المرأة من ذلك أعظم ما لحق الرجل. فلما قالوا : لا تخف، وذكروا سبب مجيئهم زال عنه الخوف وسرّ، فلحقها هي من السرور إن ضحكت، إذ النساء في باب الفرح والسرور أطرب من الرجال وغالب عليهن ذلك. وقد أشار الزمخشري إلى طرف من هذا فقال : ضحكت سروراً بزوال الخيفة. وذكر محمد بن قيس سبباً لضحكها تركنا ذكره لفظاعته، يوقف عليه في تفسير ابن عطية : وقرأ محمد بن زياد الأعرابي رجل من قراء مكة : فضحكت بفتح الحاء. قال المهدوي : وفتح الحاء غير معروف، فبشرناها هذا موافق لقوله تعالى : ولقد جاءت رسلنا ابراهيم بالبشرى، والمعنى : فبشرناها على لسان رسلنا بشرتها الملائكة بإسحاق، وبأن إسحاق سيلد يعقوب. قال ابن عطية : أضاف فعل الملائكة إلى ضمير اسم الله تعالى، إذ كان ذلك بأمره ووحيه. وقال غيره : لما ولد لابراهيم اسماعيل عليهما السلام من هاجر تمنت سارة أن يكون لها ابن، وأيست لكبر سنها، فبشرت بولد يكون نبياً وبلد نبياً، فكان هذا بشارة لها بأن ترى ولد ولدها. وإنما بشروها دونه، لأنّ المرأة أعجل فرحاً بالولد، ولأن إبراهيم قد بشروه وأمنوه من خوفه، فأتبعوا بشارته ببشارتها. وقيل : خصت بالبشارة حيث لم يكن لها ولد، وكان لإبراهيم عليه السلام ولده إسماعيل.
والظاهر أن وراء هنا ظرف استعمل اسماً غير ظرف بدخول من عليه كأنه قيل : ومن بعد إسحاق، أو من خلف إسحاق، وبمعنى بعد، روي عن ابن عباس واختاره مقاتل وابن قتيبة، وعن ابن عباس أيضاً : أن الوراء ولد الولد، وبه قال الشعبي : واختاره أبو عبيدة. وتسميته وراء هي قريبة من معنى وراء الظرف، إذ هو ما يكون خلف الشيء وبعده. فإن قيل : كيف يكون يعقوب وراء لإسحاق وهو ولده لصلبه، وإنما الوراء ولد الولد ؟ فقد أجاب عنه ابن الأنباري فقال : المعنى ومن الوراء المنسوب إلى إسحاق يعقوب، لأنه قد كان الوراء لإبراهيم من جهة إسحاق، فلو قال : ومن الوراء يعقوب، لم يعلم أهذا الوراء منسوب إلى إسحاق أم إلى إسماعيل، فأضيف إلى إسحاق لينكشف المعنى ويزول اللبس انتهى. وبشرت من بين أولاد إسحاق بيعقوب، لأنها رأته ولم تر غيره، وهذه البشارة لسارة كانت وهي بنت تسع وتسعين سنة، وابراهيم ابن مائة سنة. وقيل : كان بينهما غير ذلك، وهي أقوال متناقضة.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٣٦
وهذه الآية تدل على أنّ إسماعيل هو الذبيح، لأن سارة حين أخدمها الملك الجبار هاجر أم إسماعيل كانت شابة جميلة، فاتخذ إبراهيم هاجر سرية، فغارت منها سارة، فخرج بها وبابنها إسماعيل من الشام على البراق، وجاء من يومه مكة، وانصرف إلى الشام من يومه، ثم كانت البشارة بإسحاق وسارة عجوز محالة، وسيأتي الدليل على ذلك أيضاً من سورة والصافات. ويجوز أن يكون الله سماها حالة البشارة بهذين الاسمين، ويجوز أن يكون الإسمان حدثا لها وقت الولادة، وتكون البشارة بولد ذكر بعده ولد ذكر، وحالة الإخبار عن البشارة ذكراً باسمها كما يقول المخبر : إذا بشر في النوم بولد ذكر فولد له ولد ذكر فسماه مثلاً عبد الله : بشرت بعبد
٢٤٣
الله. وقرأ الحرميان، والنحويان، وأبو بكر يعقوب : بالرفع على الابتداء ومن وراء الخبر كأنه قيل : ومن وراء إسحاق يعقوب كائن، وقدره الزمخشري مولود أو موجود. قال النحاس : والجملة حال داخلة في البشارة أي : فبشرناها بإسحاق متصلاً به يعقوب. وأجاز أبو علي أنْ يرتفع بالجار والمجرور، كما أجازه الأخفش أي : واستقرّ لها من وراء إسحاق يعقوب. وقالت فرقة : رفعه على القطع بمعنى ومن وراء إسحاق يحدث يعقوب. وقال النحاس : ويجوز أن يكون فاعلاً بإضمار فعل تقديره : ويحدث من وراء إسحاق يعقوب. قال ابن عطية : وعلى هذا لا تدخل البشارة انتهى. ولا حاجة إلى تكلف القطع والعدول عن الظاهر المقتضى للدخول في البشارة.