كان مآله إلى السعادة. انظر إلى يوسف وأبيه وأخوته وامرأة العزيز والملك أسلم بيوسف وحسن إسلامه. ومعبر الرؤيا الساقي، والشاهد فما يقال. وقيل : أحسن هنا ليست أفعل التفضيل، بل هي بمعنى حسن، كأنه قيل : حسن القصص، من باب إضافة الصفة إلى الموصوف أي : القصص الحسن. وما في بما أوحينا مصدرية أي : بإيحائنا. وإذا كان القصص مصدراً فمفعول نقص من حيث المعنى هو هذا القرآن، إلا أنه من باب الإعمال، إذ تنازعه نقص. وأوحينا فاعمل الثاني على الأكثر، والضمير في من قبله يعود على الإيحاء. وتقدمت مذاهب النحاة في أن المخففة ومجيء اللام في ثاني الجزءين. ومعنى من الغافلين : لم يكن لك شعور بهذه القصة، ولا سبق لك علم فيها، ولا طرق سمعك طرف منها. والعامل في إذ قال الزمخشري وابن عطية : اذكر. وأجاز الزمخشري أن تكون بدلاً من أحسن القصص قال : وهو بدل اشتمال، لأن الوقت يشتمل على القصص وهو المقصوص، فإذا قص وقته فقد قص. وقال ابن عطية : ويجوز أن يعمل فيه نقص كان المعنى : نقص عليك الحال، إذ وهذه التقديرات لا تتجه حتى تخلع إذ من دلالتها على الوقت الماضي، وتجرد للوقت المطلق الصالح للأزمان كلها على جهة البدلية.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٧٥
وحكى مكي أنّ العامل في إذ الغافلين، والذي يظهر أن العامل فيه قال : يا بني، كما تقول : إذ قام زيد قام عمر، وتبقى إذ على وضعها الأصلي من كونها ظرفاً لما مضى. ويوسف اسم عبراني، وتقدمت ست لغات فيه. ومنعه الصرف دليل على بطلان قول من ذهب إلى أنه عربي مشتق من الأسف، وإن كان في بعض لغاته يكون فيه الوزن الغالب، لامتناع أن يكون أعجمياً غير أعجمي. وقرأ طلحة بن مصرف بالهمز وفتح السين. وقرأ ابن عامر، وأبو جعفر، والأعرج : يا أبت بفتح التاء، وباقي السبعة والجمهور بكسرها، ووقف الابنان عليها بالهاء، وهذه التاء عوض من ياء الإضافة فلا يجتمعان، وتجامع الألف التي هي بدل من التاء قال : يا أبتا علك أو عساكا. ووجه الاقتصار على التاء مفتوحة أنه اجتزأ بالفتحة عن الألف، أو رخم بحذف التاء، ثم أقحمت قاله أبو علي. أو الألف في أبتا للندبة، فحذفها قاله : الفراء، وأبو عبيد، وأبو حاتم، وقطرب. ورد بأنه ليس موضع ندبة أو الأصل يا أبة بالتنوين، فحذف والنداء ناد حقف قاله قطرب، ورد بأنّ التنوين لا يحذف من المنادي المنصوب نحو : يا ضارباً رجلاً، وفتح أبو جعفر ياء إني.
وقرأ الحسن، وأبو جعفر، وطلحة بن سليمان : أحد عشر بسكون العين لتوالي الحركات، وليظهر جعل الاسمين اسماً واحداً ورأيت هي حلمية لدلالة متعلقها على أنه منام، والظاهر أنه رأى في منامه كواكب الشمس والقمر. وقيل : رأى إخوته وأبويه، فعبر عنهم بذلك، وعبر عن الشمس عن أمه. وقيل : عن خالته راحيل، لأنّ أمه كانت ماتت. ومن حديث جابر بن عبد الله : أن يهودياً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال : يا محمد أخبرني عن أسماء الكواكب التي رآها يوسف، فسكت عنه، ونزل جبريل فأخبره بأسمائها، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلّم اليهودي فقال : هل أنت مؤمن إن أخبرتك بذلك ؟ فقال : نعم. قال : جريان، والطارق، والذيال، وذو الكتفين، وقابس، ووثاب، وعمودان، والفليق، والمصبح، والضروح، والفرغ، والضياء، والنور. فقال اليهودي : إي والله إنها لأسماؤها. وذكر السهيلي مسنداً إلى الحرث بن أبي أسامة فذكر الحديث، وفيه بعض اختلاف، وذكر النطح عوضاً عن المصبح. وعن وهب أن يوسف رأى وهو ابن سبع سنين أن إحدى عشرة عصاً طوالاً كانت مركوزة في الأرض كهيئة الدارة، وإذا عصا صغيرة تثب عليها حتى اقتلعتها وغلبتها، فوصف ذلك لأبيه فقال : إياك أن تذكر هذا لإخوتك، ثم رأى وهو ابن ثنتي عشرة سنة الشمس والقمر والكواكب سجوداً له فقصها على أبيه فقال له : لا تقصها عليهم فيبغوا
٢٧٩
لك الغوائل، وكان بين رؤيا يوسف ومسير أخوته إليه أربعون سنة، وقيل : ثمانون. وروي أن رؤيا يوسف كانت ليلة القدر ليلة جمعة. والظاهر أنّ الشمس والقمر ليسا مندرجين في الأحد عشر كوكباً، ولذلك حين عدهما الرسول لليهودي ذكر أحد عشر كوكباً غير الشمس والقمر، ويظهر من كلام الزمخشري أنهما مندرجان في الأحد عشر.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٧٥


الصفحة التالية
Icon