وقرأ مجاهد، وشبل وأهل مكة، وابن كثير : آية على الإفراد. والجمهور آيات، وفي مصحف أبي عُبرة للسائلين مكان آية. والضمير في قالوا عائد على أخوة يوسف وأخوه هو بنيامين، ولما كانا شقيقين أضافوه إلى يوسف. واللام في ليوسف لام الابتداء، وفيها تأكيد وتحقيق لمضمون الجملة أي : كثرة حبه لهما ثابت لا شبهة فيه. وأحب أفعل تفضيل، وهي مبني من المفعول شذوذاً، ولذلك عدى بإلى، لأنه إذا كان ما تعلق به فاعلاً من حيث المعنى عدى إليه بإلى، وإذا كان مفعولاً عدى إليه بفي، تقول : زيد أحب إلى عمرو من خالد، فالضمير في أحب مفعول من حيث المعنى، وعمرو هو المحب. وإذا قلت : زيد أحب إلى عمرو من خالد، كان الضمير فاعلاً وعمرو هو المحبوب. ومن خالد في المثال الأول محبوب، وفي الثاني فاعل، ولم يبن أحب لتعدّيه بمن. وكان بنيامين أصغر من يوسف، فكان يعقوب يحبهما بسبب صغرهما وموت أمهما، وحب الصغير والشفقة عليه مركوز في فطرة البشر. وقيل لابنة الحسن : أي بنيك أحب إليك ؟
٢٨٢
قالت : الصغير حتى يكبر، والغائب حتى يدم، والمريض حتى يفيق. وقد نظم الشعراء في محبة الولد الصغير قديماً وحديثاً، ومن ذلك ما قاله الوزير أبو مروان عبد الملك بن إدريس الجزيري في قصيدته التي بعث بها إلى أولاده وهو في السجن
وصغيركم عبد العزيز فإننيأطوي لفرقته جوي لم يصغر
ذاك المقدم في الفؤاد وإن غداكفؤالكم في المنتمي والعنصر
إن البنات الخمس أكفاء معاوالحلى دون جميعها للخنصر
وإذا الفتى بعد الشباب سما لهحب البنين ولا كحب الأصغر
ونحن عصبة جملة حالية أي : تفضلهما علينا في المحبة، وهما ابنان صغيران لا كفاية فيهما ولا منفعة، ونحن جماعة عشرة رجال كفاة نقوم بمرافقة، فنحن أحق بزيادة المحبة منهما. وروى النزال بن سبرة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ونحن عصبة. وقيل : معناه ونحن نجتمع عصبة، فيكون الخبر محذوفاً وهو عامل في عصبة، وانتصب عصبة على الحال، وهذا كقول العرب : حكمك مسمطاً حذف الخبر. قال المبرد : قال الفرزدق :
يا لهذم حكمك مسمطا
أراد لك حكمك مسمطاً، واستعمل هذا فكثر حتى حذف استخفا، فالعلم السامع ما يريد القائل كقولك : الهلال والله أي : هذا الهلال، والمسمط المرسل غير المردود. وقال ابن الأنباري : هذا كما تقول العرب : إنما العامري عمته، أي يتعمم عمته انتهى. وليس مثله، لأنّ عصبة ليس مصدراً ولا هيئة، فالأجود أن يكون من باب حكمك مسمطاً. وقدره بعضهم : حكمك ثبت مسمطاً.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٧٥
وعن ابن عباس : العصبة ما زاد على العشرة، وعنه : ما بين العشرة إلى الأربعين، وعن قتادة : ما فوق العشرة إلى الأربعين، وعن مجاهد : من عشرة إلى خمسة عشر، وعن مقاتل : عشرة، وعن ابن جبير : ستة أو سبعة، وقيل : ما بين الواحد إلى العشرة، وقيل : إلى خمسة عشر، وعن الفراء : عشرة فما زاد، وعن ابن زيد، والزجاج، وابن قتيبة : العصبة ثلاثة نفر، فإذا زادوا فهم رهط إلى التسعة، فإذا زادوا فهم عصبة، ولا يقال لأقل من عشرة عصبة. والضلال هنا هو الهوى قاله ابن عباس، أو الخطأ من الرأي قاله ابن زيد، أو الجور في الفعل قاله ابن كامل، أو الغلط في أمر الدنيا. روي أنه بعد إخباره لأبيه بالرؤيا كان يضمه كل ساعة إلى صدره، وكأن قلبه أيقن بالفراق فلا يكاد يصبر عنه، والظاهر أنّ اقتلوا يوسف من جملة قولهم، وقيل : هو من قول قوم استشارهم أخوة يوسف فيما يفعل به فقالوا ذلك. والظاهر أن اطرحوه هو من قولهم أن يفعلوا به أحد الأمرين، ويجوز أن تكون أو للتنويع أي : قال بعض : اقتلوا يوسف، وبعض اطرحوه، وانتصب أرضاً على إسقاط حرف الجر قاله الحوفي وابن عطية، أي : في أرض بعيدة من الأرض التي هو فيها، قريب من أرض يعقوب. وقيل : مفعول ثان على تضمين اطرحوه معنى أنزلوه، كما تقول : أنزلت زيداً الدار. وقالت فرقة : ظرف، واختاره الزمخشري، وتبعه أبو البقاء. قال الزمخشري : أرضاً منكورة مجهولة بعيدة من العمران، وهو معنى تنكيرها وإخلائها من الناس، ولا يهامها من هذا الوجه نصبت نصب الظروف المبهمة. وقال ابن عطية : وذلك خطأ بمعنى كونها منصوبة على الظرف قال : لأن الظرف ينبغي أن يكون مبهماً، وهذه ليست كذلك، بل هي أرض مقيدة بأنها بعيدة أو قاصية ونحو ذلك، فزال بذلك إبهامها. ومعلوم أنّ يوسف لم يخل من الكون في أرض فتبين أنهم أرادوا أرضاً بعيدة غير التي هو فيها قريب من أبيه انتهى. وهذا الردّ صحيح، لو قلت : جلست داراً بعيدة، أو قعدت
٢٨٣