وقرأ زيد بن علي : تذهبوا به من أذهب رباعياً، ويخرج على زيادة الباء في به، كما خرج بعضهم تنبت بالدهن. في قراءة من ضم التاء وكسر الباء أي : تنبت الدهن وتذهبوه. وقرأ الجمهور : والذئب بالهمز، وهي لغة الحجز. وقرأ الكسائي، وورش، وحمزة : إذا وقف بغير همز. وقال نصر : سمعت أبا عمر ولا يهمز. وعدل إخوة يوسف عن أحد الشيئين وهو حزنه على ذهابهم به لقصر مدة الحزن، وإيهامهم أنهم يرجعون به إليه عن قريب، وعدلوا إلى قضية الذئب وهو السبب الأقوى في منعه أن تذهبوا به، فحلفوا له لئن كان ما خافه من خطفة الذئب أخاهم من بينهم، وحالهم أنهم عشرة رجال بمثلهم تعصب الأمور وتكفي الخطوب. إنهم إذاً لقوم خاسرون أي : هالكون ضعفاء وجوراً وعجزاً، أو مستحقون أن يهلكوا، لأنهم لا غنى عندهم ولا جدوى في حياتهم، أو مستحقون بأن يدعى عليهم بالخسار والدمار، وأن يقال : خسرهم الله ودمرهم حين أكل الذئب بعضهم وهم حاضرون. وقيل : إن لم نقدر على حفظه بعضنا فقد هلكت مواشينا، إذاً وخسرنا. وروي أن يعقوب رأى في منامه كأنه على ذروة جبل، وكان يوسف في بطن الوادي، فإذا عشرة من الذئاب قد احتوشته يردن أكله، فدرأ عنه واحد، ثم انشقت الأرض فتوارى يوسف فيها ثلاثة أيام.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٧٥
﴿فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِا وَأَجْمَعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِى غَيَـابَتِ الْجُبِّا وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * وَجَآءُوا أَبَاهُمْ عِشَآءً يَبْكُونَ * قَالُوا يَـا أَبَانَآ إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَـاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُا وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَـادِقِينَ * وَجَآءُو عَلَى قَمِيصِهِا بِدَمٍ كَذِبٍا قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌا وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ * وَجَآءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُا قَالَ يَـابُشْرَى هذا غُلَـامٌا وَأَسَرُّوهُ بِضَـاعَةًا وَاللَّهُ عَلِيمُا بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ : حكي أنهم قالوا ليوسف : اطلب من أبيك أن يبعثك معنا، فأقبل على يوسف فقال : أتحب ذلك ؟ قال : نعم. قال يعقوب : إذا كان غداً أذنت لك، فلما أصبح يوسف لبس ثيابه وشد عليه منطقته، وخرج مع أخوته فشيعهم يعقوب وقال : يا بني أوصيكم بتقوى الله وبحبيبي يوسف، ثم أقبل على يوسف وضمه إلى صدره وقبل بين عينيه ثم قال : استودعتك الله رب العالمين، وانصرف. فحملوا يوسف على أكتافهم ما دام يعقوب يراهم، ثم لما غابوا عن عينه طرحوه ليعدا معهم إضراراً به. وذكر المسفرون أشياء كثيرة تتضمن كيفية إلقائه في غيابة الجب ومجاورته لهم بما يلين الصخر، وهم لا يزدادون إلا قساوة. ولم يتعرض القرآن ولا الحديث الصحيح لشيء منها، فيوقف عليها في كتب التفسير. وبين هذه الجملة والجمل التي قبلها محذوف يدل عليه المعنى تقديره : فأجابهم إلى ما سألوه وأرسل معهم يوسف، فلما ذهبوا به وأجمعوا أي : عزموا واتفقوا على إلقائه في الجب، وأن يجعلوه مفعول أجمعوا، يقال : أجمع الأمر وأزمعه بمعنى العزم عليه، واحتمل أن يكون الجعل هنا بمعنى الإلقاء، وبمعنى التصيير. واختلفوا في جواب لمّا أهو مثبت ؟ أو محذوف ؟ فمن قال : مثبت، قال : هو قولهم قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق أي : لما كان كيت وكيت، قالوا وهو تخريج حسن. وقيل : هو أوحينا، والواو زائدة، وعلى هذا مذهب الكوفيين يزاد عندهم بعد لما، وحتى إذا. وعلى ذلك خرجوا قوله : فلما أسلما وتله للجيين وناديناه أي : ناديناه وقوله : حتى إذا جاؤوها وفتحت أي : فتحت. وقول امرىء القيس :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٧٥
فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى أي : انتحى. ومن قال : هو محذوف، وهو رأي البصريين، فقدره الزمخشري : فعلوا به ما فعلوا من الأذى، وحكى الحكاية الطويلة فيما فعلوا به، وما حاوروه وحاورهم به. قدره بعضهم : فلما ذهبوا به وأجمعوا أنْ يجعلوه في غيابة الجب عظمت فتنتهم، وقدّره بعضهم جعلوه فيها، وهذا أولى إذ يدل عليه قوله : وأجمعوا أن يجعلوه والظاهر أنّ الضمير في وأوحينا إليه عائد على يوسف، وهو وحي إلهام قاله مجاهد. وروي عن ابن عباس : أو منام. وقال الضحاك وقتادة : نزل عليه جبريل في البئر. وقال الحسن : أعطاه الله النبوة في الجب وكان صغيراً، كما أوحى إلي يحيى وعيسى عليهما السلام، وهو ظاهر أوحينا، ويدل على أنّ الضمير عائد على يوسف قوله لهم قال : هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون. وقيل : الضمير في إليه عائد على يعقوب، وإنما أوحي إليه
٢٨٧