ليأنس في الظلمة من الوحدة، وليبشر بما يؤول إليه أمره، ومعناه : للتخلص مما أنت فيه، ولتحدثن إخوتك بما فعلوا بك. وهم لا يشعرون جملة حالية من قوله : لتنبئنهم بهذا أي : غير عالمين أنك يوسف وقت التنبئة قاله ابن جريج، وذلك لعلو شأنك وعظمة سلطانك، وبعد حالك عن أذهانهم، ولطول العمر المبدل للهيئات والأشكال. وذكر أنهم حين دخلوا عليه ممتارين فعرفهم وهم له منكرون، دعا بالصواغ فوضعه على يده ثم نقره فطن فقال : إنه ليخبرني هذا الجام أنه كان لكم أخ من أبيكم يقال له : يوسف، وكان يدنيه دونكم، وأنكم انطلقتم به وألقيتموه في غيابة الجب وقلتم لأبيكم : أكله الذئب. وبيع بثمن بخس، ويجوز أن يكون وهم لا يشعرون حالاً من قوله : وأوحينا أي : وهم لا يشعرون، قاله قتادة. أي : بإيحائنا إليك وما أخبرناك به من نجاتك وطول عمرك، إلى أن تنبئهم بما فعلوا بك. وقرأ الجمهور لتنبئنهم بتاء الخطاب، وابن عمر بياء الغيبة، وكذا في بعض مصاحف البصرة. وقرأ سلام بالنون.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٧٥
والذي يظهر من سياق الأخبار والقصص أن يوسف كان صغيراً، فقيل : كان عمره إذ ذاك سبع سنين. وقيل : ست، قاله الضحاك. وأبعد من ذهب إلى أنه اثنتا عشرة سنة، وثمان عشرة سنة، وكلاهما عن الحسن، أو سبع عشرة سنة قاله ابن السائب. ويدل على أنه كان صغيراً بحيث لا يدفع نفسه قوله : وأخاف أن يأكله الذئب ويرتع ويلعب وإنا له لحافظون، وأخذ السيارة له، وقول الوارد : هذا غلام، وقول العزيز : عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً، وما حكى من حملهم إياه واحداً بعد واحد، ومن كلامه لأخيه يهوذا : ارحم ضعفي وعجزي وحداثة سني، وارحم قلب أبيك يعقوب. ومن هو ابن ثمان عشرة سنة لا يخاف عليه من الذئب ولا سيما إن كان في رفقة، ولا يقال فيه : وإنا له لحافظون، لأنه إذ ذاك قادر على التحيل في نجاة نفسه، ولا يسمى غلاماً إلا بمجاز، ولا يقال فيه : أو نتخذه ولداً. وعشاء نصب على الظرف، أو من العشوة والعشوة : الظلام، فجمع على فعال مثل راع ورعاء، ويكون انتصابه على الحال كقراءة الحسن عشا على وزن دجى، جمع عاش، حذف منه الهاء كما حذفت في مالك، وأصله مالكة. وعن الحسن عشياً على التصغير. قيل : وإنما جاؤوا عشاء ليكون أقدر على الاعتذار في الظلمة، ولذا قيل : لا تطلب الحاجة بالليل فإنّ الحياء في العينين، ولا تعتذر في النهار من ذنب فتتلجلج في الاعتذار. وفي الكلام حذف تقديره : وجاؤوا أباهم دون يوسف عشاء يبكون، فقال : أين يوسف ؟ قالوا : إنا ذهبنا. وروي أن يعقوب لما سمع بكاءهم قال : ما لكم، أجرى في الغنم شيء ؟ قالوا : لا. قال : فأين يوسف ؟ قالوا : إنا ذهبنا نستبق فأكله الذئب، فبكى، وصاح، وخر مغشياً عليه، فأفاضوا عليه الماء فلم يتحرك، ونادوه فلم يجب، ووضع يهوذا يده على مخارج نفسه فلم يحس بنفسه ولا تحرك له عرق فقال : ويل لنا من ديان يوم الدين الذي ضيعنا أخانا وقتلنا أبانا، فلم يفق لا ببرد السحر. قال الأعمش : لا يصدق باك بعد أخوة يوسف. ونستبق. أي : نترامى بالسهام، أو نتجارى على الأقدام أينا أشد عدواً، أو نستبق في أعمال نتوزعها من سقي ورعي واحتطاب، أو نتصيد. أربعة أقوال. عند متاعنا أي : عند ثيابنا، وما تجردنا له حالة الاستباق، وهذا أيضاً يدل على صغر يوسف، إذ لو كان ابن ثمان عشرة سنة أو سبع عشرة لكان يستبق معهم، فأكله الذئب قد ذكرنا أنهم تلقنوا هذا الجواب من قول أبيهم، وأخاف أن يأكله الذئب، لأن أكل الذئب إياه كان أغلب ما كان خاف عليه. وما أنت بمؤمن لنا أي : بمصدق لنا الآن ولو كنا صادقين. أو لست مصدقاً لنا على كل حال حتى في حالة الصدق، لما غلب عليك من تهمتنا وكراهتنا في يوسف، وإنا نرتاد له الغوائل، ونكيد له المكائد، وأوهموا بقولهم : ولو كنا صادقين أنهم صادقون في أكل الذئب يوسف، فيكون صدقهم مقيداً بهذه النازلة. أو من أهل الصدق والثقة عند يعقوب قبل هذه النازلة، لشدّة
٢٨٨
محبتك ليوسف، فكيف وأنت سيىء الظن بنا في هذه النازلة، غير واثق بقولنا فيه ؟.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٧٥


الصفحة التالية
Icon