فيها، هل هي باقية على مضيها ولم تقلها أداة الشرط ؟ أو المعنى : أن يتبين كونه. فأداة الشرط في الحقيقة إنما دخلت على هذا المقدر. وجواب الشرط فصدقت وفكذبت، وهو على إضمار قد أي : فقد صدقت، وفقد كذبت. ولو كان فعلاً جامداً أو دعاء لم يحتج إلى تقدير قد.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٧٥
وقرأ الجمهور : من قبل، ومن دبر، بضم الباء فيهما والتنوين. وقرأ الحسن وأبو عمر، وفي رواية : بتسكينها وبالتنوين، وهي لغة الحجاز وأسد. وقرأ ابن يعمر، وابن أبي إسحاق، والعطاردي، وأبو الزناد، ونوح القارىء، والجار ودبن أبي سبرة بخلاف عنه : من قبل، ومن دبر، بثلاث سمات. وقرأ ابن يعمر، وابن أبي إسحاق، والجارود أيضاً في رواية عنهم : بإسكان الباء مع بنائهما على الضم، جعلوها غاية نحو : من قبل. ومعنى الغاية أن يصير المضاف غاية نفسه بعدما كان المضاف إليه غايته، والأصل إعرابهما لأنهما اسمان متمكنان، وليسا بظرفين. وقال أبو حاتم : وهذا رديء في العربية، وإنما يقع هذا البناء في الظروف. وقال الزمخشري : والمعنى من قبل القميص ومن دبره، وأما التنكير فمعناه من جهة يقال لها : قبل، ومن جهة يقال لها : دبر. وعن ابن أبي إسحاق : أنه قرأ من قبل ومن دبر بالفتح، كان جعلهما علمين للجهتين، فمنعهما الصرف للعلمية والتأنيث. وقال أيضاً :(فإن قلت) : إن دل قد قميصه من دبر على أنها كاذبة وأنها هي التي تبعته واجتذبت ثوبه إليها فقدّته، فمن أين دل قدّه من قبل على أنها صادقة، وأنه كان تابعها ؟ (قلت) : من وجهين : أحدهما : أنه إذا كان تابعها وهي دافعة عن نفسها فقدت قميصه من قدامه بالدفع. والثاني : أن يسرع خلفها ليلحقها، فيتعثر في قدام قميصه فيشقه انتهى. وقوله : وهو من الكاذبين، وهو من الصادقين، جملتان مؤكدتان لأنّ من قوله : فصدقت، يعلم كذبه. ومن قوله : فكذبت، يعلم صدقه. وفي بناء قد للمفعول ستر على من قده، ولما كان الشاهد من أهلها راعي جهة المرأة فبدأ بتعليق صدقها على تبين كون القميص قد من قبل، ولما كانت كل جملة مستقلة بنفسها أبرز إسم كان بلفظ المظهر، ولم يضمر ليدل على الاستقلال، ولكون التصريح به أوضح. وهو نظير قوله :﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ﴾ فلما رأى العزيز، وقيل : الشاهد قميصه قد من دبر قال : إنه أي إن قولك : ما جزاء إلى آخره قاله الزجاج، أو أن هذا الأمر وهو طمعها في يوسف ذكره الماوردي والزمخشري، أو إلى تمزيق القميص قاله : مقاتل والخطاب في من كيدكن لها ولجواريها، أولها وللنساء. ووصف كيد النساء بالعظم، وإن كان قد يوجد في الرجال، لأنهن ألطف كيداً بما جبلن عليه وبما تفرغن له، واكتسب بعضهن من بعض، وهن أنفذ حيلة. وقال تعالى :﴿وَمِن شَرِّ النَّفَّـاثَـاتِ فِى الْعُقَدِ﴾ وأما اللواتي في القصور فمعهن من ذلك ما لا يوجد لغيرهن، لكونهن أكثر تفرغاً من غيرهن، وأكثر تأنساً بأمثالهن.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٧٥
يوسف أعرض عن هذا أي : عن هذا الأمر واكتمه، ولا تتحدث به. وفي ندائه باسمه تقريب له وتلطيف، ثم أقبل عليها وقال : واستغفري لذنبك، والظاهر أنّ المتكلم بهذا هو العزيز. وقال ابن عباس : ناداه الشاهد وهو الرجل الذي كان مع العزيز وقال : استغفري لذنبك، أي لزوجك وسيدك انتهى. ثم ذكر سبب الاستغفار وهو قوله : لذنبك، ثم أكد ذلك بقوله : إنك كنت من الخاطئين، ولم يقل من الخاطئات، لأن الخاطئين أعم، لأنه ينطلق على الذكور والإناث بالتغليب. يقال : خطىء إذا أذنب متعمداً. قال الزمخشري : وما كان العزيز إلا حليماً، روي أنه كان قليل الغيرة انتهى. وتربة إقليم قطفير اقتضت هذا، وأين هذا مما جرى لبعض ملوكنا أنه كان مع ندمائه المختصين به في مجلس أنه وجارية تغنيهم من وراء ستر، فاستعاد بعض خلصائه بيتين من الجارية كانت قد غنت بهما، فما لبث أن جيء برأس الجارية مقطوعاً في طست وقال له الملك : استعد البيتين من هذا الرأس، فسقط في يد ذلك
٢٩٨
المستعيد، ومرض مدة حياة ذلك الملك.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٧٥
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٩٩
النسوة بكسر النون فعلة، وهو جمع تكسير للقلة لا واحد له من لفظه. وزعم ابن السراج أنه اسم جمع. وقال الزمخشري : النسوة اسم مفرد لجمع المرأة، وتأنيثه غير حقيقي، ولذا لم تلحق فعله تاء التأنيث انتهى. وعلى أنه جمع تكسير لا يلحق التاء لأنه يجوز : قامت الهنود، وقام الهنود. وقد تضم نونه فتكون إذ ذاك اسم جمع، وتكسيره للكثرة على نسوان، والنساء جمع تكسير للكثرة أيضاً، ولا واحد له من لفظه.


الصفحة التالية
Icon