﴿فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَـا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَآ أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَه لَحَـافِظُونَ * قَالَ هَلْ ءَامَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلا كَمَآ أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُا فَاللَّهُ خَيْرٌ حَـافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الراَّحِمِينَ﴾ : أي : رجعوا من مصر ممتارين، بادروا بما كان أهم الأشياء عندهم من التوطئة لإرسال أخيهم معهم، وذلك قبل فتح متاعهم وعلمهم بإحسان العزيز إليهم من رد بضاعتهم. وأخبروا بما جرى لهم مع العزيز الذي على إهراء مصر، وأنهم استدعى منهم العزيز أن يأتوا بأخيهم حتى يتبين صدقهم أنهم ليسوا جواسيس، وقولهم : منع منا الكيل، إشارة إلى قول يوسف : فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي. ويكون منع يراد به في المستأنف، وإلا فقد كيل لهم. وجاؤوا أباهم بالميرة، لكنْ لما أنذروا بمنع الكيل قالوا : منع. وقيل : أشاروا إلى بعير بنيامين الذي منع من الميرة، وهذا أولى بحمل منع على الماضي حقيقة، ولقولهم : فأرسل معنا أخانا نكتل، ويقويه قراءة يكتل بالياء أي : يكتل أخونا، فإنما منع كيل بعيره لغيبته، أو يكن سببلاً للاكتيال. فإن امتناعه في المستقبل تشبيه، وهي قراءة الأخوين. وقرأ باقي السبعة بالنون أي : نرفع المانع من الكيل، أو نكتل من الطعام ما نحتاج إليه، وضمنوا له حفظه وحياطته. قال : هل آمنكم، هذا توقيف وتقرير. وتألم من فراقه بنيامين، ولم يصرح بمنعه من حمله لما رأى في ذلك من المصلحة. وشبه هذا الائتمان في ابنه هذا بائتمانه إياهم في حق يوسف. قلتم فيه : وإنا له لحافظون، كما قلتم في هذا، فأخاف أن تكيدوا له كما كدتم لذلك، لكن يعقوب لم يخف عليه كما خاف على يوسف، واستسلم لله وقال : فالله خير حفظاً، وقرأ الأخوان وحفص : حافظاً اسم فاعل، وانتصب حفظاً وحافظاً على التمييز، والمنسوب له الخير هو حفظ الله، والحافظ الذي من جهة الله. وأجاز الزمخشري أن يكون حافظاً حالاً، وليس بجيد،
٣٢٢
لأن فيه تقييد خير بهذه الحال. وقرأ الأعمش : خير حافظ على الإضافة، فالله تعالى متصف بالحفظ وزيادته على كل حافظ. وقرأ أبو هريرة : خير الحافظين، كذا نقل الزمخشري. وقال ابن عطية : وقرأ ابن مسعود، فالله خير حافظاً وهو خير الحافظين. وينبغي أن تجعل هذه الجملة تفسيراً لقوله : فالله خير حافظاً، لا أنها قرآن. وهو أرحم الراحمين اعتراف بأن الله هو ذو الرحمة الواسعة، فأرجو منه حفظه، وأن لا يجمع على مصيبته ومصيبة أخيه.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣١٣
﴿وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَـاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَـاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِم قَالُوا يَـا أَبَانَا مَا نَبْغِى هَـاذِهِا بِضَـاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍا ذالِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ * قَالَ لَنْ أُرْسِلَه مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِّنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِى بِهِا إِلا أَن يُحَاطَ بِكُم فَلَمَّآ ءَاتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ﴾.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٢٣
قرأ علقمة، ويحيى بن وثاب، والأعمش، ردت بكسر الراء، نقل حركة الدال المدغمة إلى الراء بعد توهم خلوها من الضمة، وهي لغة لبني ضبة، كما نقلت العرب في قيل وبيع. وحكى قطرب : النقل في الحرف الصحيح غير المدغم نحو : ضرب زيد، سموا المشدود المربوط بجملته متاعاً، فلذلك حسن الفتح فيه وما نبغي، ما فيه استفهامية أي : أي شيء نبغي ونطلب من الكرامة هذه
٣٢٣


الصفحة التالية
Icon