أموالنا ردت إلينا قاله قتادة. وكانوا قالوا لأبيهم : قدمنا على خير رجل أنزلنا وأكرمنا كرامة، لو كان رجلاً من آل يعقوب ما أكرمنا كرامته. وقال الزجاج : يحتمل أن تكون ما نافية أي : ما بقي لنا ما نطلب. ويحتمل أيضاً أن تكون نافية من البغي أي : ما افترينا فكذبنا على هذا الملك، ولا في وصف إجماله وإكرامه هذه البضاعة مردودة، وهذا معنى قول الزمخشري ما نبغي في القول ما تتزيد فيما وصفنا لك من إحسان الملك والكرامة. وقيل : معناه ما نريد منك بضاعة أخرى. وقرأ عبد الله وأبو حيوة : ما تبغي بالتاء على خطاب يعقوب، وروتها عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلّم، ويحتمل ما في هذه القراءة الاستفهام والنفي كقراءة النون. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي : ونميز بضم النون، والجملة من قولهم هذه بضاعتنا ردت إلينا موضحة لقولهم : ما نبغي، والجمل بعدها معطوفة عليها على تقدير : فنستظهر بها ونستعين بها ونمير أهلنا في رجوعنا إلى الملك، ونحفظ أخانا فلا يصيبه شيء مما تخافه. وإذا كان ما نبغي ما نتزيد وما نكذب، جاز أن يكون ونمير معطوفاً على ما نبغي أي : لا نبغي فيما نقول، ونمير أهلنا ونفعل كيت وكيت. وجاز أن يكون كلاماً مبتدأ، وكرروا حفظ الأخ مبالغة في الحض على إرساله، ونزداد باستصحاب أخينا. وسق بعير على أوساق بعيرنا، لأنه إنما كان حمل لهم عشرة أبعرة، ولم يحمل الحادي عشر لغيبة صاحبه. والظاهر أنّ البعير هو من الإبل. وقال مجاهد : كيل حمار، قال : وبعض العرب تقول للحمار : بعير، وهذا شاذ. والظاهر أنّ قوله : ذلك كيل يسير، من كلامهم لا من كلام يعقوب، والإشارة بذلك الظاهر أنها إلى كيل بعير أي : يسير، بمعنى قليل، يحببنا إليه الملك ولا يضايقنا فيه، أو يسير بمعنى سهل متيسر لا يتعاظمه. وقيل : يسير عليه أن يعطيه. وقال الحسن : وقد كان يوسف عليه السلام وعدهم أن يزيدهم حمل بعير بغير ثمن. قال الزمخشري : أي ذلك مكيل قليل لا يكفينا يعني : ما يكال لهم، فازدادوا إليه ما يكال لأخيه. ويجوز أن يكون من كلام يعقوب أي : حمل بعير واحد شيء يسير لا يخاطر لمثله بالولد، كقوله : ذلك ليعلم انتهى. ويعني أن ظاهر الكلام أنه من كلامهم، وهو من كلام يعقوب، كما أن قوله : ذلك ليعلم، ظاهره أنه من كلام امرأة العزيز، وهو من كلام يوسف. وهذا كله تحميل للفظ القرآن ما يبعد تحميله، وفيه مخالفة الظاهر لغير دليل. ولما كان يعقوب غير مختار لإرسال ابنه، وألحوا عليه في ذلك، علق إرساله بأخذ الموثق عليهم وهو الحلف بالله، إذ به تؤكد العهود وتشدد، ولتأتني به جواب للحلف، لأن معنى حتى تؤتون موثقاً : حتى تحلفوا لي لتأتنني به. وقوله : إلا أن يحاط بكم، لفظ عام لجميع وجوه الغلبة، والمعنى : نعمكم الغلبة من جميع الجهات حتى لا يكون لكم حيلة ولا وجه تخلص. وقال مجاهد : إلا أن تهلكوا. وعنه أيضاً : إلا أن تطيقوا ذلك. وهذا الاستثناء من المفعول من أجله مراعى في قوله : لتأتنني، وإن كان
٣٢٤
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٢٣
مثبتاً معنى النفي، لأن المعنى : لا تمتنعون من الإتيان به لشيء من الأشياء إلا لأن يحاط بكم. ومثاله من المثبت في اللفظ ومعناه النفي قولهم : أنشدك الله إلا فعلت أي : ما أنشدك إلا الفعل. ولا يجوز أن يكون مستثنى من الأحوال مقدراً بالمصدر الواقع حالاً، وإن كان صريح المصدر قد يقع حالاً، فيكون التقدير : لتأتنني به على كل حال إلا إحاط بكم أي : محاطاً بكم، لأنهم نصوا على أنّ أنْ الناصبة للفعل لا تقع حالاً وإن كانت مقدرة بالمصدر الذي قد يقع بنفسه حالاً. فإن جعلت أنْ والفعل واقعة موقع المصدر الواقع ظرف زمان، ويكون التقدير : لتأتنني به في كل وقت إلا إحاطة بكم أي : إلا وقت إحاطة بكم. قلت : منع ذلك ابن الأنباري فقال : ما معناه : يجوز خروجنا صياح الديك أي : وقت صياح الديك، ولا يجوز خروجنا أن يصيح الديك، ولا ما يصيح الديك. وإن كانت أنْ وما مصدريتين، وإنما يقع ظرفا المصدر المصرح بلفظه. وأجاز ابن جني أن تقع أنْ ظرفاً، كما يقع صريح المصدر، فأجاز في قول تأبط شراً :
وقالوا لها لا تنكحيه فإنهلأول فصل أن يلاقي مجمعا
وقول أبي ذؤيب الهذلي :
وتالله ما أن شهلة أم واحدبأوجد مني أن يهان صغيرها
أنْ يكون أنْ تلاقي تقديره : وقت لقائه الجمع، وأن يكون أنْ يهان تقديره : وقت إهانة صغيرها. فعلى ما أجازه ابن جني يجوز أن تخرج الآية ويبقى لتأتنني به على ظاهره من الإثبات، ولا يقدر فيه معنى النفي. وفي الكلام حذف تقديره : فأجابوه إلى ما طلبه، فلما آتوه موثقهم قال يعقوب : الله على ما نقول من طلب الموثق وإعطائه وكيل رقيب مطلع.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٢٣


الصفحة التالية
Icon