ونهيه إياهم أن يدخلوا من باب واحد هو خشية العين، وكانوا أحد عشر لرجل واحد أهل جمال وبسطة قاله : ابن عباس، والضحاك، وقتادة، وغيرهم، والعين، حق. وفي الحديث :"إن العين لتدخل الرجل القبر والجمل القدر وفي التعوذ ومن كل عين لامة" وخطب الزمخشري فقال : لأنهم كانوا ذوي بهاء وشارة حسنة، وقد أشهرهم أهل مصر بالقربة عند الملك والكرامة الخاصة التي لم تكن لغيرهم، فكانوا مظنة لطموح الأبصار إليهم من الوفود، وأن يشار إليهم بالأصابع، ويقال : هؤلاء أضياف الملك انظروا إليهم ما أحسنهم من فتيان، وما أحقهم بالإكرام، لأمر ما أكرمهم الملك وقربهم وفضلهم على الوافدين عليه. فخاف لذلك أن يدخلوا كوكبة واحدة فيعانوا لجمالهم وجلالة أمرهم في الصدور، ويصيبهم ما يسوءهم، ولذلك لم يوصهم بالتفرق في المرة الأولى، لأنهم كانوا مجهولين معمورين بين الناس انتهى. ويظهر أنّ خوفه عليهم من العين في هذه الكرة بحسب أنّ محبوبه فيهم وهو بنيامين الذي كان يتسلى به عن شقيقه يوسف، ولم يكن فيهم في الكرة الأولى، فأهمل أمرهم ولم يحتفل بهم لسوء صنيعهم في يوسف. وقيل : نهاهم خشية أن يستراب بهم لقول يوسف : أنتم جواسيس. وقيل : طمع فافتراقهم أن يتسمعوا خبر يوسف، ثم نفى عن نفسه أنْ يغني عنهم شيئاً يعني : بوصاته، إنْ الحكم إلا لله أي : هو الذي يحكم وحده وينفذ ما يريد، فعليه وحده توكلت. ومن حيث أمرهم أبوهم أي : من أبواب متفرقة. روي أنهم لما ودعوا أباهم قال لهم : بلغوا ملك مصر سلامي وقولوا له : إن أبانا يصلي عليك، ويدعو لك، ويشكر صنيعك معنا. وفي كتاب أبي منصور المهراني : أنه خاطبة بكتاب قرىء على يوسف فبكى. وجواب لما قوله : ما كان يغني عنهم من الله من شيء، وفيه حجة لمن زعم أن لما حرف وجوب لوجوب لا، ظرف زمان بمعنى حين، إذ لو كانت ظرف زمان ما جاز أن تكون معمولة لما بعد ما النافية. لا يجوز حين قام زيد ما قام عمرو، ويجوز لما قام زيد ما قام عمرو، فدل ذلك على أنّ لما حرف يترتب جوابه على ما بعده. وقال ابن عطية : ويجوز أنْ
٣٢٥
يكون جواب لما محذوفاً مقدراً، ثم يخبر عن دخولهم أنه ما كان يغني. ومعنى الجملة : لم يكن في دخولهم متفرقين دفع قدر الله الذي قضاه عليهم من تشريفهم وافتضاحهم بذلك، وأخذ أخيهم بوجدان الصاع في رحله، وتزايد مصيبته على أبيهم، بل كان إرباً ليعقوب قضاه وتطييباً لنفسه. وقيل : معنى ما كان يغني عنهم من الله من شيء، ما يرد عنهم قدراً لأنه لو قضى أنْ يصيبهم عين لإصابتهم متفرقين أو مجتمعين، وإنما طمع يعقوب أن تصادف وصيته قدر السلامة، فوصى وقضى بذلك حاجة نفسه في أن بقي يتنعم برجائه أن يصادف وصيته القدر في سلامتهم. وإنه لذو علم يعني لقوله : إن الحكم إلا لله، وما بعده وعلمه بأنّ القدر لا يدفعه الحذر. وهذا ثناء من الله على يعقوب عليه السلام. وقال قتادة : لعامل بما علمناه. وقال سفيان : من لا يعمل لا يكون عالماً، ولفظة ذو وعلم لا تساعده على هذا التفسير وإن كان صحيحاً في نفسه. وقرأ الأعمش : مما علمناه.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٢٣
العير الإبل التي عليها الأحمال، سميت بذلك لأنها تعير أي تذهب وتجيء. وقيل : هي قافلة الحمير، ثم كثر حتى قيل لكل قافلة عير، كأنها جمع عير. وأصلها فعل كسقف، وسقف فعل به ما فعل ببيض وعيد، والعير مؤنث. وقالوا في الجمع : غيرات، فشذوا في جمعه بالألف والتاء، وفي فتح يائه وقال الشاعر :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٢٦
غشيت ديار الحي بالبكراتفعارمة فبرقة العيرات
قال الأعلم : هنا مواضع الأعيار، وهي الحمير. الصواع الصاع، وفيه لغات تأتي في القرآن، ويؤنث ويذكر. الوعاء : الظرف الذي يحفظ فيه الشيء، وتضم واوه، ويجوز أن تبدل واوه همزة. فتىء من أخوات كان الناقصة قال أوس بن حجر :
فما فتئت حي كان غبارهاسرادق بوم ذي رياح يرفع
وقال أيضاً :
فما فتئت خيل تثوب وتدعيويلحق منها لاحق وتقطع
٣٢٦
ويقال فيها : فتأ على وزن ضرب، وأفتأ على وزن أكرم. وزعم ابن مالك أنها تكون بمعنى سكن وأطفأ، فتكون تامة. ورددنا عليه ذلك في شرح التسهيل، وبينا أن ذلك تصحيف منه. صحف الثاء بثلاث، بالتاء بثنتين من فوق، وشرحها بسكن وأطفأ. الحرض : المشفي على الهلاك يقال : حرض فهو حرض بكسر الراء، حرضاً بفتحها وهو المصدر، ولذلك يستوي فيه المذكر والمؤنث والمفرد والجمع. وأحرضه المرض فهو محرض قال :
أرى المرء كالأزواد يصبح محرضاكأحراض بكر في الديار مريض
وقال الآخر :
إني امرؤ لج بي حب فأحرضني
حتى بليت وحتى شفني السقم وقال : رجل حرض بضمتين كجنب وشلل.