﴿وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ ءَاوَى إِلَيْهِ أَخَاه قَالَ إِنِّى أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَـاِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِى رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَـارِقُونَ * قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِم مَّاذَا تَفْقِدُونَ * قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَآءَ بِهِا حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِا زَعِيمٌ * قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِى الارْضِ وَمَا كُنَّا سَـارِقِينَ * قَالُوا فَمَا جَزَا ؤُهُا إِن كُنتُمْ كَـاذِبِينَ * قَالُوا جَزَا ؤُه مَن وُجِدَ فِى رَحْلِهِا فَهُوَ جَزَا ؤُهُا كَذَالِكَ نَجْزِى الظَّـالِمِينَ﴾ : روى أنهم قالوا له : هذا أخونا قد جئناك به، فقال : أحسنتم وأصبتم، وستجدون ذلك عندي، فأنزلهم وأكرمهم، ثم أضافهم، وأجلس كل اثنين منهم على مائدة، فبقي بنيامين وحده فبكى وقال : لو كان أخي يوسف حياً لأجلسني معه. فقال يوسف : بقي أخوكم وحيداً، فأجلسه معه على مائدته، وجعل يؤاكلهم وقال : أنتم عشرة، فلينزل كل اثنين منكم بيتاً، وهذا لا ثاني له فيكون معي، فبات يوسف يضمه إليه ويشم رائحته حتى أصبح، وسأله عن ولده فقال : لي عشرة بنين اشتققت أسماءهم من اسم أخ لي هلك، فقال له : أتحب أنْ أكون أخاك بدل أخيك الهالك ؟ قال : من يجد أخا مثلك، ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل، فبكى يوسف وقام إليه وعانقه وقال له : أنا أخوك يوسف فلا تبتئس، فلا تحزن بما كانوا يعملون بنا فيما مضى، فإن الله قد أحسن إلينا وجمعنا على خير، ولا تعلمهم بما أعلمتك. وعن ابن عباس : تعرف إليه أنه أخوه، وهو الظاهر. وهو قول ابن إسحاق وغيره، أعلمه أنه أخوه حقيقة واستكتمه، وقال له : لا تبالي بكل ما تراه من المكروه في تحيلي في أخذك منهم. قال ابن عطية : وعلى هذا التأويل يحتمل أن يشير بقوله : بما كانوا يعملون إلى ما يعمله فتيان يوسف من أمر السقاية ونحو ذلك انتهى. ولا يحتمل ذلك لأنه لو كان التركيب بما يعملون بغير كانوا، لأمكن على بعده، لأن الكلام إنما هو مع أخوة يوسف. وأما ذكر فتيانه فبعيد جداً، لأنهم لم يتقدم لهم ذكر إلا في قوله : وقال لفتيانه، وقد حال بينهما قصص.
٣٢٨
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٢٦
واتسق الكلام مع الأخوة اتساقاً لا ينبغي أن يعدل عن الضمير عائد إليهم، وأن ذلك إشارة إلى ما كان يلقى منهم قديماً من الأذى، إذ قد أمن من ذلك باجتماعه بأخيه يوسف. وقال وهب : إنما أخبر أنه أخوه في الود مقام أخيه الذاهب، ولم يكشف إليه الأمر، بل تركه تجوز عليه الحيلة كسائر إخوته.
والظاهر أنّ الذي جعل السقاية في رحل أخيه هو يوسف، ويظهر من حيث كونه ملكاً أنه لم يباشر ذلك بنفسه، بل جعل غيره من فتيانه، أو غيرهم أن يجعلها. وتقدم قول وهب : إنه لم يكشف له أنه أخوه، وأنه تركه تجوز عليه الحيلة. وروي أنه قال ليوسف : أنا لا أفارقك قال : قد علمت اغتمام والدي، فإذا حبستك ازداد غمه، ولا سبيل إلى ذلك إلا أن أنسبك إلى ما لا يحمل. قال ؛ لا أبالي، فافعل ما بدا لك. قال : فإني أدس صاعي في رحلك، ثم أنادي عليك بأنك سرقته ليتهيأ لي ردّك بعد تسريحك معهم، قال : فافعل. وقرأ عبد الله فيما نقل الزمخشري : وجعل السقاية في رحل أخيه، أمهلهم حتى انطلقوا، ثم أذن. وفي نقل ابن عطية وجعل السقاية بزيادة واو في جعل دون الزيادة التي زادها الزمخشري بعد قوله : في رحل أخيه، فاحتمل أن تكون الواود زائدة على مذهب الكوفيين، واحتمل أن يكون جواب لما محذوفاً تقديره : فقدها حافظها كما قيل : إنما أوحى إلى يوسف أن يجعل السقاية فقط، ثم إن حافظها فقدها، فنادى برأيه على ما ظهر له، ورجحه الطبري. وتفتيش الأوعية يرد هذا القول، والذي يظهر أنّ تأذين المؤذن كان عن أمر يوسف. وقال السدي : كان هذا الجعل من غير علم من بنيامين، وما تقدم يدل على أنه كان يعلم منه.
وقال الجمهور : وابن عمر، وابن عباس، والحسن، ومجاهد، والضحاك، وابن زيد : السقاية إناء يشرب به الملك، وبه كان يكال الطعام للناس. وقيل : كان يسقي بها الملك ثم جعلت صاعاً يكال به، وقيل : كانت الدواب تسقي بها ويكال بها. وقال ابن جبير : الصواع هو مثل المكوك الفارسي، وكان إناء يوسف الذي يشرب فيه، وكان إلى الطول ماهر. قال : وحدثني ابن عباس أنه كان للعباس مثله يشرب في الجاهلية. وقال ابن جبير أيضاً : الصواع المكوك الفارسي الذي يلتقي طرفاه. كانت تشرب به الأعاجم. والسقاية من فضة أو ذهب أو فضة مموهة بالذهب، أو نحاس، أو مسك، أو كانت مرصع بالجواهر أقوال أولها للجمهور، ولعزة الطعام في تلك الأعوام قصر كيله على ذلك الإناء.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٢٦