روي أن أخوة يوسف عليه السلام لما رأوا إخراج الصواع من رحل أخيهم بنيامين قالوا : يا بنيامين ابن راحيل قبحك الله، ولدت أمك أخوين لصين، كيف سرقت هذه السقاية ؟ فرفع يديه إلى السماء وقال : والله ما فعلت، فقالوا : فمن وضعها في رحلك ؟ قال : الذي وضع البضاعة في رحالكم. وقال الزمخشري ما معناه : رموا بالسرقة تورية عما جرى مجرى السرقة من فعلهم بيوسف. وإن كنتم كاذبين، فرض لانتفاء براءتهم، وفرض التكذيب لا يكون تكذيباً على أنه لو صرح به كما صرح بالتسريق لكان له وجه، لأنهم قالوا :﴿وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَـاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ﴾ والكيد حكم الحيل الشرعية التي يتوصل بها إلى مصالح ومنافع دينية كقوله : وخذ بيدك ضغثاً فيتخلص من جلدها ولا يحنث. وقول ابراهيم عليه السلام : هي أختي لتسلم من يد الكافر. وعلم الله في هذه الحيلة التي لقنها ليوسف مصالح عظيمة، فجعلهاسلماً وذريعة إليها، فكانت حسننة جميلة انتهى. وقولهم : إنْ يسرق فقد سرق أخ له من قبل، لا يدل على الجزم بأنه سرق، بل أخرجوا ذلك مخرج الشرط أي : إن كان وقعت منه سرقة فهو يتأسى ممن سرق قبله، فقد سرق أخ له من قبل. والتعليق على الشرط على أنّ السرقة في حق بنيامين وأخيه ليس مجزوماً بها، كأنهم قالوا : إنْ كان هذا الذي رمى به بنيامين حقاً فالذي رمى به يوسف من قبل حق، لكنه قوي الظن عندهم في حق يوسف بما ظهر لهم أنه جرى من بنيامين، ولذلك قالوا : إن ابنك سرق. وقيل : حققوا السرقة في جانب بنيامين وأخيه بحسب ظاهر الأمر، فكأنهم قالوا : إن كان قد سرق فغير بدع من ابني راحيل، لأن أخاه يوسف قد كان سرق، فعلى هذا القول يكون قولهم أنحاء على يوسف وبنيامين. وقيل : التقدير فقد قيل عن يوسف إنه سرق، وقولهم هذا هو بحسب الظاهر والإخبار بأمر جرى لتزول المعرة عنهم، وتختص بالشقيقين. وتنكير أخ في قوله : فقد سرق أخ له من قبل، لأنّ الحاضرين لا علم لهم به وقالوا له : لأنه كان شقيقه. والجمهور على أن السرقة التي نسبت هي أن عمته ربته وشب، وأراد يعقوب أخذه، فأشفقت من فراقه فأخذت منطقة إسحاق، وكانت متوارثة عندهم، فنطقته بها من تحت ثيابه ثم صاحت وقالت : فقدت المنطقة ففتشت فوجدت عند يوسف، فاسترقته حسبما كان في شرعهم وبقي عندها حتى ماتت، فصار عند أبيه. وقال قتادة وابن جبير : أمرت أمه أن يسرق صنماً. وفي كتاب الزجاج : من ذهب لأبيها فسرقه وكسره، وكان ذلك منها تغييراً للمنكر. وقال ابن إدريس عن أبيه : إنما أكل بنو يعقوب طعاماً، فأخذ يوسف عرقاً فنحاه. وقيل : كان في البيت غاق أو دجاجة، فأعطاها السائل. وقرأ أحمد بن جبير الأنطاكي، وابن أبي شريح عن الكسائي، والوليد بن حسان عن يعقوب وغيرهم : فقد سرق بالتشديد مبنياً للفعول بمعنى نسب إلى السرقة، بمعنى جعل سارقاً ولم يكن كذلك حقيقة. والضمير في قوله : فأسرها يفسره سياق لاكلام أي : الحزازة التي حدثت في نفسه من قولهم كما فسره في قول حاتم :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٢٦
لعمرك ما يغني الثراء عن الفتىإذا حشرجت نفس وضاق بها الصدر. وقيل : أسر المجازاة، وقيل : الحجة. وقال الزمخشري : اختار على شريطة التفسير تفسيره أنتم شر مكاناً، وإنما أنث لأن قوله : أنتم شر مكاناً جملة أو كلمة على تسميتهم الطائفة من الكلام كلمة، كأنه قيل : فأسر الجملة أو الكلمة التي هي قوله. وقرأ عبد الله، وابن أبي عبلة : فأسره بضمير تذكير.
٣٣٣
قال الزمخشري : يريد القول أو الكلام انتهى. والظاهر من قوله : أنتم شر مكاناً، خطابهم بهذا القول في الوجه، فكأنه أسر كراهية مقالتهم، ثم وبخهم بقوله : أنتم شر مكاناً، وفيه إشارة إلى تكذيبهم وتقوية أنهم تركوا أن يشفعوا بأنفسهم، وعدلوا إلى الشفاعة بأبيه الشيخ يعقوب عليه السلام. وقال قوم : لم يقل يوسف هذا الكلام لهم مواجهة، إنما قاله في نفسه، وهو تفسير قوله : الذي أسر في نفسه، وهو قول الزمخشري المتقدم. ومعنى شر مكاناً أي منزلة في السرق، لأنكم سارقون بالصحة لسرقتكم أخاكم من أبيكم. ومعنى أعلم بما تصفون يعني : هو أعلم بما تصفون منكم، لأنه عالم بحقائق الأمور، وكيف كانت سرقة أخيه التي أحلتم سرقته عليه. وروي أن روبيل غضب ووقف شعره حتى خرج من ثيابه، فأمر يوسف ابناً له يمسه فسكن غضبه فقال روبيل : لقد مسني أحد من ولد يعقوب، ثم أنهم تشاوروا في محاربة يوسف وكانوا أهل قوة لا يدانون في ذلك، فلما أحس يوسف بذلك قام إلى روبيل فلببه وصرعه، فرأوا من قوته ما استعظموه وعند ذلك.